[أركان الإرث]
الأول: المورث، أي: الميت، وبالتالي فالذي يوزعه الأب على أبنائه قبل وفاته لا يسمى ميراثاً، وإنما يسمى عطية، أو منحة، أو هبة، أو غير ذلك.
أما الميراث فهو ما خلفه الرجل بعد وفاته.
ولذلك يلزم الأب أو يلزم الرجل صاحب المال أن يوزع على أبنائه المال بالسوية، ذكوراً كانوا أم إناثاً، ولا يقل: أنا سأعطي ولدي هذا شقة أربع غرف، وذاك شقة أربع غرف، ولهذه شقة فيها غرفتان؛ لأنها بنت؛ لأنك بذلك تعطي منحة ونحلة وهبة ولا تعطي ميراثاً، إذ الميراث ليس من حكمك ولا من شأنك، إنما هو من شأن الورثة بعد موتك، إنما أنت توزع الآن في حياتك؛ فعليك أن توزع بالسوية بين الأبناء جميعهم، ذكوراً كانوا أم إناثاً، فتعطي الولد عشرة آلاف، وتعطي البنت كذلك عشرة آلاف، وليس خمسة؛ لأن هذا ليس ميراثاً.
وهذا بغض النظر عن الولد إن كان عاصياً أم باراً بوالده؛ لأن الوالد لابد أن يعتقد أن الله تبارك وتعالى عنده من العذاب ما هو أشد وأبقى لهذا العاصي، وقادر على أن ينتقم من هذا العاصي لوالده، فاتركه لله عز وجل: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:٦٤].
ولذلك حين فرض الله تبارك وتعالى هذه المواريث وحدها كان يعلم أن من الأبناء عصاة وطائعين، ومع هذا لم يفرق سبحانه وتعالى بين هؤلاء وهؤلاء، فقد كان يعلم أن من الأبناء من يأخذ مالاً ليتعلم به ويتزوج به ويبني به بيتاً، ويعلم أن بقية الأبناء إنما يعملون في الأرض بالليل والنهار، ولا حظ لهم إلا أن يعملوا، ومع هذا جعل القسمة على وتيرة واحدة.
وإن كان الإمام أحمد بن حنبل عليه رحمة الله له مذهب في هذا، فقد قال: إذا أنفق الوالد على ولده مالاً حتى زوجه وبنى له داراً، ولم يكن ذلك لأخيه الصغير أو الأصغر، فإذا مات الأب كان للورثة أن يقيِّموا أو يقدروا للصغير الذي لم تبن له دار ولم يتزوج مقدار ما قد أخذه أخوه، ثم تقسم التركة عليهم، وهذه فتوى إمام، فلك أن تأخذ بها، أما مذهب الجمهور فيختلف عن ذلك.
إذاً: وفاة المورث -الذي هو الميت- فيثبت لدينا أن فلاناً مات وترك ميراثاً أو تركة، سواء مات موتاً حقيقياً، بأن مات أمام أعيننا وغسلناه وصلينا عليه وكفناه ودفناه، أو مات موتاً حكمياً، كرجل فقد في الحرب في ظروف غامضة مثلاً لمدة اختلف فيها أهل العلم، لكن قانون الأحوال الشخصية أخذ بأحد المذاهب، وحدد مدة الفقد بأربع سنوات، وهذا لا يصلح أن ينطبق على رجل ترك امرأته وسافر مثلاً إلى العراق أو السعودية أو أمريكا أو إلى أي بلد، وقعد هناك أربع أو خمس سنين، فتقوم الزوجة وتذهب إلى المحكمة وتطالب باستخراج شهادة بموت زوجها حكماً من أجل أن تتزوج، فهذا لا يصلح نهائياً.
أتعلمون أنه إلى الآن هناك أناس من عام (١٩٧٣م) أُخرجت لهم شهادات بالفقد أو بالموت حكماً بعد أربع سنوات، ثم رجعوا إلى بيوتهم بعد هذه الفترة الطويلة.
ومن ذلك: أن أناساً في حرب (١٩٦٧م) أسروا واستطاعوا الهروب والفكاك من السجن في أثناء حرب (١٩٧٣م)، فقدم أحد الناس حتى وصل إلى قرية بجوار قريتي، ووصل في وقت متأخر من الليل، أو لعله تعمد الدخول إلى بلده في وقت متأخر، فطرق الباب ففتحت له أخته، ثم أرادوا أن يناموا، ولم يخبروا الأب حتى الصباح، وهذه حادثة ذكرت في الصحف والمجلات والجرائد- فلما قام الأب في الصباح ليصلي الفجر؛ وجد رجلاً أجنبياً بين بنتيه فقتله، حادث مؤلم جداً؛ ولذلك هذا الحادث أقض مضاجع جميع أهل القرى المجاورة، فكان كل واحد منهم يفكر لو أن ولده هو الذي رجع الذي قد بلغه أنه قد قتل في ١٩٦٧م، يقول: يمكن أن يكون مفقوداً، وأحبوا أن يريحوني ويطمنوني في هذه المسألة فقالوا: إنه قتل.
فكل إنسان رجع لنفسه الأمل أن ولده ممكن يرجع له في يوم من الأيام، أو زوجها ممكن يرجع لها في يوم من الأيام، فقال: قبل أن أقتل أتأكد أنه المفقود.
إذاً: فلا بد أن يكون هذا الموت إما حقيقياً أو حكمياً.
الثاني: وجود الوارث؛ لأن السلطان يرث من لا وارث له، والسلطان يعني: بيت مال المسلمين.
والوارث هو: من قام بينه وبين المورث سبب من أسباب الميراث، وستأتي معنا أسباب الميراث.
الثالث: التركة، فلو مات مورث وعنده مائة يرثونه، ولم تكن له تركة، فهل يكون هناك مجال للميراث؟ والتركة هي الميراث أو الموروث، ويقصد به: كل ما تركه المورث من الأموال، كما أنه يشمل الحقوق القابلة لأن تورث، كحق مرهون لتحصيل دين.