وأما حج الملائكة فإن لهم كعبة في السماء السابعة يحجون إليها، وهي التي أسماها الله تبارك وتعالى: البيت المعمور، وأقسم بها سبحانه كما في سورة الطور:{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ}[الطور:٤].
قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية: ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء بعد مجاوزته السماء السابعة: (ثم رفع بي إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفاً لا يعودون إليه آخر ما عليهم)، يعني: يتعبدون فيه، ويطوفون به كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم، والبيت المعمور هو كعبة أهل السماء السابعة، وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج إبراهيم عليه السلام مسنداً ظهره إلى البيت المعمور؛ لأنه باني الكعبة الأرضية، والجزاء من جنس العمل، فلما بنى الكعبة لأهل الأرض أكرمه الله تعالى بدخول الكعبة التي هي في السماء السابعة.
وذكر ابن كثير أن البيت المعمور بحيال الكعبة، أي: في موازاة ومحاذاة الكعبة، ولذلك ورد في الخبر أن البيت المعمور لو خر على الأرض لخر على الكعبة، أي: لسقط على الكعبة، فالبيت المعمور في السماء السابعة في مقابلة الكعبة، أي: فوقها، فلو وقع لوقع عليها.
وذكر أن في كل سماء بيتاً يتعبد فيه أهلها، ويصلون إليه، والذي في السماء الدنيا يقال له: بيت العزة.
وقد ثبت من حديث علي بن أبي طالب:(أنه سئل: ما البيت المعمور؟ قال: بيت في السماء يقال له: الضراح، وهو بحيال الكعبة من فوقها، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة، ولا يعودون فيه أبداً).
وهذا موقوف على علي بن أبي طالب، وهو لا يقال من قبل الرأي، وهو إن كان فيه خالد بن عرعرة وهو مستور إلا أن له شاهداً مرسلاً من حديث قتادة بن دعامة، وهو (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه مسجد في السماء تحته الكعبة، لو خر لخر عليها).
قال الشيخ الألباني رحمه الله: وجملة القول: إن هذه الزيادة -أي:(حيال الكعبة) - ثابتة بمجموع طرقها، وهذا يدل على ثبوت الحديث.