للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علم الملائكة]

الملائكة أعلم من بني آدم في العلم الذي علمهم الله تعالى، وبنو آدم أعلم من الملائكة في معرفة الأشياء، ولذلك قال الله تبارك وتعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} [البقرة:٣١]، فآدم علم الأسماء أولاً قبل أن يعلم الملائكة ذلك: {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا} [البقرة:٣١ - ٣٢].

وهذا إقرار واعتراف بأن آدم عليه السلام أعرف من الملائكة بمعرفة الأشياء والتعرف عليها.

فالإنسان يتميز بالقدرة على التعرف على الأشياء واكتشاف سنن الكون، والملائكة يعلمون ذلك بالتلقي المباشر عن الله تبارك وتعالى، ولكن الذي علمهم الله تبارك وتعالى إياه أكثر مما يعرفه الإنسان.

وقد أعطوا علماً عظيماً وهو علم الكتابة، قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:١٠ - ١٢].

والملائكة تتحاور فيما بينها فيما خفي عليها من وحي ربها، ويدور بينها مناظرات ومحاورات كما يدور أيضاً بين أهل العلم من البشر.

ففي سنن الترمذي ومسند أحمد عن ابن عباس بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة) وهذا الحديث هو حديث اختصام الملأ الأعلى، وفيه إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه رؤية منامية.

والكافرون محجوبون عن الله تبارك وتعالى، فلا يرونه حتى في يوم القيامة، ولا يدخلون الجنة حتى يرونه، وأما المؤمنون فإنهم يرون الله تبارك وتعالى في عرصات القيامة قبل أن يدخلوا الجنة، فإذا دخلوها رأوا الله تبارك وتعالى على رأس كل أسبوع في يوم المزيد الذي هو يوم الجمعة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم لما سئل: (هل نرى ربنا يا رسول الله؟! قال: هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترون ربكم -أي: في الجنة ويوم القيامة- كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب).

فكل من يدخل الجنة يرى الله تبارك وتعالى في يوم المزيد.

فهنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة).

وهذه الرؤية رؤية منامية، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه عياناً في اليقظة قط، وإنما رآه في المنام.

(فقال -أي: الله تبارك وتعالى-: يا محمد! هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا، فوضع يده بين كتفي، حتى وجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السماوات وما في الأرض، فقال: يا محمد! هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الكفارات والدرجات، فأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام، وأما الكفارات: فانتظار الصلاة إلى الصلاة، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، قال: صدقت يا محمد! ومن فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وقال: يا محمد! إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وتتوب علي، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون).

وهذا الحديث قال عنه ابن كثير رحمه الله: هو حديث المنام المشهور، ومن جعله يقظة فقد غلط في ذلك.