للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إجراء عقد النكاح إما لنفسه أو لغيره]

المحظور الخامس: إجراء عقد النكاح إما لنفسه أو لغيره، سواء كان ذلك بالولاية أو الوكالة، يعني: إما أن يتولى ذلك بنفسه لنفسه أو لغيره، وإما أن يوكل في نكاح نفسه أو إنكاح غيره، ولو أجرى محرم عقد نكاح فهذا العقد لا عبرة به في نظر جمهور أهل العلم وهو الصحيح؛ لأن هذا العقد لم يصادف محلاً، وقد وقع في وقت محرم، ولا تترتب عليه آثاره الشرعية؛ لما رواه الإمام مسلم من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يَنْكِح المحرم ولا يُنْكح ولا يخطب) (لا ينكح المحرم) أي: لنفسه (ولا ينكح لغيره ولا يخطب)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

والعمل على هذا عند كثير من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، ولا يرون أن يتزوج المحرم، وإن نكح فنكاحه باطل.

أما ما ورد عن ميمونة رضي الله عنها أنها تزوجها النبي عليه الصلاة والسلام وهو محرم فهو معارض بما رواه مسلم من أنه تزوجها وهو حلال.

فقد جاء فيما يتعلق بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من ميمونة بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها في رواية: (وهو محرم) وفي رواية: (وهو حلال)، والراجح: أنه تزوجها وهو حلال -يعني: بعد أن أحل- ولكنه تزوجها في الحرم، ويقال لمن كان في الحرم: (محرم) أي: قائم في الحرم، ولابد من هذا التأويل حتى يستقيم الدليلان معنا، والعمل بالدليلين أولى من رد أحدهما.

فقول الراوي: (تزوجها وهو محرم) أي: تزوجها وهو قائم بالحرم، يعني: تم عقد النكاح على ميمونة في الحرم، وإذا علمتم حدود الحرم تزول الغرابة حينئذ، فالحرم يحده حدود بعيدة جداً، ليس هو مبنى المسجد نفسه، بل حدود الحرم من الجعرانة ومن التنعيم ومن جهة عرفة أماكن بعيدة جداً، ومن أراد أن يحرم من أهل مكة فلابد أن يخرج إلى الحل، والحل في أطراف مكة ومشارفها، وهذا رأي قوي ويساند من يقول: إن مكة كلها حرم.

لكن من جهة الأحكام فإنه لا يجوز الاعتكاف في أي مكان من مكة، وإنما الاعتكاف في المساجد؛ لأن الآية خصصت هذا الحرم، وهو قول الله عز وجل: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:١٨٧] ولم يقل: في الحرم، فلا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها في العوالي أو في أسفل مكة أو غيرها مما هو داخل في حدود الحرم، وليس في أصل المسجد نفسه.

إذاً: الأدلة التي وردت متعارضة في الظاهر فيما يتعلق بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من ميمونة بنت الحارث أنه تزوجها وهو حرام، وتزوجها وهو حلال، والصواب: أنه تزوجها وهو حلال أي: بعد أن تحلل من إحرامه، والرواية التي تقول: أنه تزوجها وهو حرام أي: وهو في الحرم.