[باب جواز العمرة في أشهر الحج]
الباب الحادي والثلاثون: باب جواز العمرة في أشهر الحج.
وهذه نقطة فيها مخالفة لما كان عليه أهل الجاهلية، فأهل الجاهلية كانوا يقولون: عمرة في أشهر الحج لا تصح، بل كانوا يعدون أداء العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور.
قال: [عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كانوا يرون أن العمرة فى أشهر الحج من أفجر الفجور فى الأرض)].
هذه -الحمد لله- ظلمة أخرجنا الله عز وجل منها على يد نبينا عليه الصلاة والسلام.
قال: [(كانوا يرون أن العمرة فى أشهر الحج من أفجر الفجور فى الأرض، ويجعلون المحرم صفراً)]، وهذا النسيء الذي تكلم الله عز وجل عنه في القرآن الكريم وفي قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة:٣٧].
وكان أهل الجاهلية يرون أن القتال وإراقة الدماء في الأشهر الحرم منقصة عظيمة لا تجوز، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، ورجب ليس مع الأشهر المذكورة في الترتيب، بل هو قبل هذه الأشهر بشهرين، ولذلك سموه رجب الفرد، يعني: رجب لوحده، والثلاثة الأشهر الحرم الباقية هي: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، لكنهم بمزاجهم، يقولون: المهم أن هناك أربعة شهور حرماً لا نحارب فيها، فيقومون بالنسيء، وهو أن يؤخروا شهراً ويقدموا شهراً مكانه، هذا النسيء الذي حرمه الله عز وجل في القرآن، وجعله مظهراً من مظاهر الكفر.
قال: [(كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفراً، ويقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر)].
قولهم: (إذا برأ الدبر) يقصدون: برأ أدبار وأظهار الإبل من التعب والكل وكثرة المشي.
وقولهم: (وعفا الأثر) أثر الجمال في مشيها في الصحراء مع طول الوقت تأتي الرياح بالرمال فتجعل هذه الآثار كأن لم يكن جمل مر من هنا من قبل.
وقولهم: (وانسلخ صفر) يعني: انقضى صفر.
وقولهم: (حلت العمرة لمن اعتمر) يعني: الذي يريد أن يعتمر يعتمر بعد صفر.
قال: [(فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة)] يعني: دخل مكة يوم الرابع من ذي الحجة، يعني: في نفس التوقيت الذي حرم أهل الجاهلية تأدية العمرة فيه.
قال: [(مهلين بالحج، وأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله! أي الحل؟ قال: الحل كله)] يعني: تحللوا تماماً من أعمال العمرة، حتى تؤدى العمرة وحدها والحج وحده في أشهر الحج، خلافاً لما كان عليه الجاهلية.
قال: [عن أبي العالية البراء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأربع خلون من العشر وهم يلبون بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة)].
قال: [عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بذي طول وقدم لأربع مضين من ذي الحجة، وأمر أصحابه أن يحولوا إحرامهم بعمرة، إلا من كان معه الهدي)]، فالذي كان معه الهدي يبقى قارناً، يعتمر ويبقى في إحرامه حتى يتحلل يوم النحر.
قال: [قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذه عمرة استمتعنا بها)] قوله: استمتعنا بها يشمل القارن والمتمتع؛ لأنه ما كان قد نوى عمرة من الميقات، وإنما نوى حجاً فقط، فلما أدخل العمرة على الحج صار مستمتعاً بالعمرة، مع أنه كان قارناً؛ فهذا الاستمتاع في حق القارن استمتاع لغوي، أما في حق المتمتع فإنه تمتع اصطلاحي.
قال: [(فمن لم يكن عنده الهدي فليحل الحل كله، فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة)].
قال: [عن أبي جمرة قال: (تمتعت فنهاني ناس عن ذلك، فأتيت ابن عباس فسألته عن ذلك فأمرني بها -أي: قال: تمتع.
ولا تلتفت إلى الجماعة التي تنهاك، ولا يضرك هذا- ثم انطلقت إلى البيت فنمت -يعني: انطلق إلى بيت الله الحرام فنام- فأتاني آت في منامي فقال: عمرة متقبلة وحج مبرور)].
إذاً: هذه بشارة، والحق مع ابن عباس لا مع من نهى أبا جمرة عن التمتع.
قال: [(فأتيت ابن عباس فأخبرته بالذي رأيت، فقال: الله أكبر، الله أكبر، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)].