للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قراءة هرقل لرسالة رسول الله]

قال أبو سفيان: [(ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه)] أي: طلب هرقل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأه على هؤلاء الناس جميعاً.

قال: [(فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم)] طبعاً هذا كلام على خلاف ما يقوله النصارى: باسم الأب والابن والروح القدس، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقول ذلك وإنما قال: بسم الله الرحمن الرحيم.

وفي هذا: استحباب أن تبدأ الرسائل والمكاتبات بين الخلق بهذه البسملة: بسم الله الرحمن الرحيم.

قال: [(من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم)] ولا شك أن الرسالة صفة للنبي عليه الصلاة والسلام، فهو موصوف بالرسالة، فما زاد وما بالغ في شأن نفسه.

قال: (من محمد) وهذا تواضع النبوة وأدبها، ثم أخبره بصفته قال: أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم) ولم يقل: ملك الروم، وذلك لأنه بمجرد أن أرسل الله تعالى رسولنا زالت في الحقيقة كل مملكة وكل ملك، فلا يكون ملكاً شرعياً ولا مملكة شرعية؛ لأن الإسلام لا يعترف بها، وكل أرض هي مغنم للإسلام والمسلمين، فإذا دخلوها صارت ملكاً لهم، ولا يجوز لأهلها أن يزعموا أنها أرض لهم، فبمجرد فتحها انتقلت ملكيتها إلى الإسلام والمسلمين، فقال: (من محمد رسول الله إلى هرقل) ولم يقل: ملك الروم؛ لعدم مشروعية ملكه ومملكته، وإنما قال: (عظيم الروم) لأن هذا يوافق الحقيقة فهو فعلاً عظيم من عظماء الروم وكبير من كبرائهم ورئيس من رؤسائهم، وربما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تأليفاً لقلبه.

قال: [(سلام على من اتبع الهدى)] ولم يقل: السلام عليكم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام نهانا أن نبدأ المشركين بالسلام، وإذا قابلناهم في الطريق قال: (فاضطروهم إلى أضيقها).

أي: حافة الطريق.

المسلم يمشي في وسط الطريق، وذلك حينما تكون دولة إسلامية لها عز وسيادة وريادة فالمسلم يمشي في وسط الطريق، والكافر يمشي على حافة الطريق، فإذا كان الأمر كذلك (فاضطروهم إلى أضيقها)، بل الكافر حينما يجد إسلاماً صحيحاً فهو في نفسه يذهب إلى أضيق الطريق.

فقوله صلى الله عليه وسلم: (سلام على من اتبع الهدى)؛ لأنه في الحقيقة لم يسلم؛ وكأنه يقول: فإن كنت متبعاً للهدى فسلام عليك وإلا فلا سلام ولا كلام، فهذا من باب الخبر وليس من باب إلقاء السلام.

ومن قبل قسّمنا المكاتبات والرسائل إلى أقسام: المقدمة.

الغرض.

الخاتمة.

فالمقدمة: فيها البسملة والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يذكر من أرسل ومن أُرسل إليه، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام هنا: (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم)].

قال جمهور العلماء: يستحب أن يبدأ المرسل بذكر اسمه أولاً: من فلان إلى فلان، فلا يقول: إلى فلان من فلان، فيذكر نفسه أولاً ثم يذكر المرسل إليه، يقول: من فلان إلى فلان.

ويستحب أن يشاطره الأدب، أي: أنه لا يقول: من فلان الفلاني العالم الفاضل الشيخ إلى محمد بن عبد الله! فإن المرسل إليه أول ما يبادئ الرسالة ويستطلع هذه الكلمات الطيبة ينشرح صدره للرسالة بمجرد قراءته العنوان، إلا أن تكون الرسالة في مظروف فتقول مباشرة: إلى فلان.

قال: [(فإني أدعوك بدعاية الإسلام)] أي: بدعوة الإسلام.

وفي رواية: (بداعية الإسلام) وداعية الإسلام هي كلمة التوحيد.

أي: إني أُطالبك بتوحيد الله عز وجل ونبذ الكفر والشرك.

قال: [(أسلم تسلم)] استخدم السلم في أمرين متقابلين أسلم يا هرقل! تسلم من الإثم، وإن أسلمت يا هرقل! سلمت من الحرب والقتل والسبي والتشريد وأخذ الأموال والأرض.

(أسلم تسلم) من كل أذى ومن كل مكروه، كما يقول الشاعر: سميته (يحيى ليحيا).

أي: أنه سماه يحيى ليعيش.

فهذا من الجناس اللذيذ.

قال: [(أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين)] المرة الأولى أنه كان تابعاً لعيسى عليه السلام ولا شك أنه مأجور على تبعيته لعيسى، ولو أنه ترك شريعة عيسى وآمن بمحمد عليه الصلاة والسلام مع إيمانه بعيسى واتبع شريعة محمد عليه الصلاة والسلام لكان له الأجر مرتين: أنه آمن بعيسى وآمن بمحمد عليه الصلاة والسلام.

فالتفسير الأول لقوله: (وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين) مرة لإيمانك بعيسى ومرة لإيمانك بمحمد عليه الصلاة والسلام.

والتفسير الثاني: (يؤتك الله أجرك مرتين) أي: أجرك أنت باعتبارك رئيساً وزعيماً عظيماً في قومك، ويؤتيك أجر من أسلم بإسلامك: (ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً).

قال: [(وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين)] وفي رواية عند