[شرح حديث: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت)]
قال: [وحدثني زهير بن حرب -وهو أبو خيثمة النسائي نزيل بغداد- قال: حدثنا شبابة -وشبابة هو ابن سوار المدائني، أصله من خراسان لكنه نزل مدينة المدائن الفارسية التي هي الآن معروفة بهذا الاسم في إيران- حدثني ورقاء -وهو ابن عمر اليشكري أبو بشر الكوفي نزيل المدائن- عن أبي الزناد -وهو عبد الله بن ذكوان المدني القرشي أبو عبد الرحمن - عن الأعرج -وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني - عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل الحديث السابق.
حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي، وزهير بن حرب قال زهير: حدثنا، وقال سعيد: أخبرنا].
ولا يزال أهل العلم يفرقون بين حدثنا وأخبرنا؛ لأن حدثنا لا تستخدم إلا في السماع من لفظ الشيخ، أما أخبرنا فتستخدم في ذلك وتستخدم في الإجازة، فلما كان الفرق بين هذا وذاك عند المحدثين ميز الإمام مسلم بين هذا وذاك.
قال: [أما زهير فقال: حدثنا، وأما سعيد فقال: أخبرنا سفيان عن أبي الزناد -وسفيان عن أبي الزناد هو سفيان بن عيينة - عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)].
قوله: (أعددت لعبادي الصالحين): هذا وصف للعباد بأنهم صالحون، وأنهم لا يدخلون الجنة إلا إذا كانوا على هذه الصفة.
قوله: (ما لا عين رأت): نفى الله عز وجل في هذا الكلام أن تكون عين في الدنيا رأت نعيماً يشابه أو يماثل نعيم الجنة، فمهما وقعت عينك على نعيم الدنيا فالجنة أعظم من ذلك.
قوله: (ولا أذن سمعت): لأن المرء ربما يسمع عن نعيم، أو يسمع بشيء لا يتصوره، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ليس الخبر كالمعاينة) أو: (ليس المخبر كالمعاين)، فبلا شك أن الإنسان يسمع أحياناً أخباراً لا يصدقها؛ لأنها في سمعه أو في بصره أمور مستحيلة، بعيدة المنال، فهو ربما يبادر إلى تكذيب الخبر لأن الخبر أكبر من تصوره، فما بالكم لو دخل الجنة ورأى فيها أدنى النعيم الذي هو أعظم من كل نعيم الدنيا؟ قال: [(أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مصداق ذلك في كتاب الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧])]، وفي بعض تفاسير المحدثين من الصحابة والتابعين: جزاءً بما كانوا يصومون؛ لأن الصوم عبادة خفية بين العبد وربه، فقابلهم الله تعالى بجنس عملهم وهو الإخلاص في الصوم وكافأهم بمزيد عطائه في الجنة بما لا يمكن أن يخطر لهم على بال، فقال: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:١٧]، أي: مما تقر به أعينهم حين النظر إليه، {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧] أي: جزاء بما كانوا يخلصون لله تعالى في العبادة.
قال: [وحدثني هارون بن سعيد الأيلي، حدثنا ابن وهب -وهو عبد الله بن وهب المصري - حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذخراً)].
(ذخراً) أي: ذخراً لهم جزاء ما كانوا يعملون في الدنيا من الأعمال الصالحة؛ لأنه قال: (أعددت لعبادي الصالحين)، إذاً: هم كانوا يعملون الصالحات، ولعل في هذا إشارة إلى مراتب الناس عند الله عز وجل يوم القيامة، فالصالحون أعد الله لهم هذا النعيم الذي لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب أحد أبداً، وهذا جزاء صلاحهم، وهل هناك قسم من الناس في الجنة لا يرى هذا النعيم الخاص بهؤلاء الصالحين؟ ربما يكون ذلك، وهؤلاء هم الذين عفا الله عنهم، وهم أصحاب الكبائر والصغائر الذين دخلوا في رحمة الله وفي مشيئة الله عز وجل، فربما ينالهم من الخير والمرتبة في الجنة أقل من مرتبة هؤلاء الصالحين، وبالتالي لا يتنعمون بهذا النعيم العظيم في الجنة، بل يتنعمون بنعيم هو دون ذلك في المرتبة، وأنتم تعلمون أن الجنة مراتب ومنازل، كما أن النار -أعاذنا الله وإياكم منها- دركات سفلى.
إذاً: قوله: (ذخراً) أي: ذخراً لهم على ما قدموا من أعمال صالحة.
قال: [(بل