للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإحسان إلى العبد المملوك]

وقوله: (هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) أي: المماليك، والأمر بإطعامهم مما يأكل السيد وإلباسهم مما يلبس محمول على الاستحباب لا على الإيجاب، وكأن المعنى: أطعموهم وألبسوهم، ولا تجعلوهم عرايا ولا جوعى، ولا يلزم إذا أتى مثلاً السيد ببدلة له بألف جنيه أو بسبعمائة جنيه أن يعطي العبد مثلها، بل يأتي له بثوب متوسط جديد ويكفي، ولا بأس بذلك، المهم ألا يدعه عرياناً.

وإذا صنع طعاماً فليطعمه من هذا الطعام، أو على الأقل يطعمه مما هو من أمثاله على قدر حاجته، وهذا الأمر للسيد ليس على سبيل الوجوب بل على سبيل الاستحباب، وهذا إجماع المسلمين.

وأما فعل أبي ذر في أنه ألبس غلامه برداً في مقابلة برده فإنما فعل ذلك على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب.

والذي يجب على السيد نفقة المملوك وكسوته بالمعروف بحسب البلدان والأشخاص، وسواء كان ذلك من جنس نفقة السيد ولباسه أو دونه أو فوقه، ولو قتر السيد على نفسه تقتيراً خارجاً عن عادة أمثاله إما زهداً وإما شحاً فلا يحل له التقتير على المملوك وإلزامه موافقته إلا برضاه.

ولو كان السيد رجلاً زاهداً متقشفاً وليس له علاقة بالدنيا نهائياً، ولا يأكل إلا قليلاً ولا يلبس إلا اليسير من اللباس فليس له إلزام عبده بهذا التقشف والزهد، وإنما يطعمه ويلبسه على قدر ما عنده من مال، يعني: أن العبد الذي يعمل خادماً أو مملوكاً لدى هذا السيد ربما يأمر الشرع سيده بأن يلبسه ويطعمه أفضل مما يلبس ويطعم كثير من الأحرار؛ لأن هذا هو الذي يناسب المستوى المادي لهذا السيد.

وأما اختيار السيد نفسه طريقاً آخر للزهادة فهذا شيء يرجع إليه هو، ولا يحل لهذا السيد أن يحمل عبده أو مملوكه على التقشف والزهادة إلا إذا كان ذلك برضى من العبد.

وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للسيد أن يكلف العبد من العمل ما لا يطيقه، فإن فعل ذلك لزمه إعانته إما بنفسه أو بغيره، كأن يشتري رقيقاً آخر لمعاونة هذا العبد، أو غير ذلك من أوجه المساعدة.

وأما قوله: (للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيقه) فهو موافق لحديث أبي ذر السابق.

وقوله: (إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه ثم جاءه به وقد ولي حره ودخانه، فليقعده معه فليأكل فإن كان الطعام مشفوهاً قليلاً فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين)، قال داود: يعني: لقمة أو لقمتين.

فأما الأكلة فهي اللقمة، وأما المشفوه فهو القليل، أي: بالنسبة إلى من اجتمع عليه من الناس.

وفي هذا الحديث: الحث على مكارم الأخلاق، والمواساة في الطعام، ولا سيما في حق من صنعه أو حمله؛ لأنه ولي حره ودخانه، وتعلقت به نفسه، وشم رائحته، وهذا كله محمول على الاستحباب لا على الوجوب.

ومن الأخلاق النادرة جداً التي تجدها في هذا الزمان: أن يكون لشخص خدم يصنعون له طعاماً، وتكون رائحته شهية جداً تتعلق به النفوس، ثم لا يدعوهم إليه، وقد جعل الشرع له مخرجاً، فإذا كان قد دعا أناساً ولديه طباخون وخدم يخدمونه في بيته، وقد أعدوا المائدة للطعام، وهو يستنكف أن يدعو العبيد ليأكلوا معه على نفس المائدة فلا بأس أن يناولهم من هذا الطعام، يعني: يعد لهم طعاماً أو سفرة يأكلون منها ولو كانت بجوار المائدة أو في مكان آخر، ولا يحرم من أعدها ومن صنعها منها.