للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب الوقف]

الباب الرابع: باب الوقف.

قال: [حدثنا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا سليم بن أخضر البصري الثقة الضابط عن ابن عون -وهو عبد الله - عن نافع الفقيه مولى ابن عمر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أصاب عمر أرضاً بخيبر)] أي: تملك عمر رضي الله عنه أرضاً بخيبر، وهي سهمه الذي قسم له، فخيبر فتحت عنوة، والقول بأن خيبر لم تفتح عنوة قول لا عبرة به؛ لأن النصوص كلها قاضية عليه، فـ عمر حينما فتحت خيبر وقسمت الغنائم كان من قسمه مال.

قيل: هذا المال اسمه سمغ.

وقيل: هي اسم للأرض التي قسمت لـ عمر رضي الله عنه.

قال: [(فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها)] يعني: عمر رضي الله عنه أتى ليستشير أهل الفضل والعلم والخير يقول: يا رسول الله! ماذا أصنع في هذه الأرض؟ [(فقال: يا رسول الله! إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟)]، هو أنفس من النفائس وهو الجودة، وفي هذا استحباب أن يتصدق الإنسان بأغلى وأنفس ما عنده، كما قال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:٩٢]، وليس مما تكرهون.

قال: [(إني أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)]؛ لأنه استشاره، وأنتم تعلمون أن المستشار مؤتمن كما قال عليه الصلاة والسلام: (المستشار مؤتمن) يعني: أمين على أن يشير بالحق والخير الذي ينفع المستشير.

(قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) يعني: الأرض التي أصبتها يا عمر! إن شئت تصدقت بها مادمت استشرتني ولم تشترط، وانتفع بالناتج عنها.

قال: [(فتصدق بها عمر، -وعمر اشترط فيها- فقال: أنه لا يباع أصلها، ولا يبتاع) يعني: حتى لو أن أحداً عرضها للبيع يحرم على من علم أنها وقف أن يشتريها، وطبعاً هذا الحكم في كل الوقف، وللأسف الشديد جداً أننا نذهب إلى مكتبات إسلامية عريقة فنجد الكتب مكتوباً عليها: وقف لله تعالى لا يجوز بيعها ولا شراؤها، وتجدها معروضة في المكتبات للبيع، فتقول له: يا أخي! اتق الله، يقول: أنا اشتريتها.

قال: [(أنه يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يورث -يعني: ممنوع على عبد الله بن عمر وغيره أن يأخذوا منه شيئاً- ولا يوهب.

قال: فتصدق عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب)]، والقربى أي: قرابة عمر من الفقراء وهم أولى، وفي هذا فضيلة الحث على صلة الأرحام.

قال تعالى: {وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:١٨٠].

قوله: (وفي الرقاب) أي: الإماء والعبيد، حينما يريدون أن يعتقوا فلاناً وهناك فائض من ريع هذه الأرض فإنه لا بأس أن يشترى فيه الرقاب فتعتق.

قال: [(وفي سبيل الله -أي: في الجهاد- وابن السبيل -الذي انقطع به الطريق فهو محتاج وإن كان غنياً- والضيف.

لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف)] يعني: الذي يقوم عليها بزراعتها وبحصادها ويثمرها لا بأس أن يأكل منها بالمعروف، أي: يأخذ منها بغير زيادة، يعني: لا يحق له أن يخزن منها، مثل مال اليتيم بالضبط؛ فإن مال اليتيم تأكل منه سد رمقك فقط، فلو أن عندك يتيماً فإنك تأكل من ماله بالمعروف، إذا احتجت إلى ذلك واضطررت إليه، وهكذا كان السلف رضي الله تعالى عنهم، كانوا يأكلون من أموال اليتامى نصف ما يأكلونه من أموالهم أنفسهم؛ لأن هذا جاء على غير أصل، والأصل ألا يأكل، كالذي يكون في الصحراء بالضبط، فإما أن يشرب الخمر، وإما أن يهلك عطشاً، فلابد من أن يشرب، ولكن يشرب ما يبل به رمقه فقط، كذلك لحم الخنزير عند الاضطرار، يجب أكله، وإلا كان الإنسان منتحراً إذا مات، فيأكل قطعة يسيرة تذهب الجوع، وهكذا مال الوقف للقائم عليه والعامل عليه أن يأكل منه بالمعروف.

قال: [(أو يطعم صديقاً غير متمول فيه أو غير متأثل فيه)] والمعنى واحد، (غير متمول) أي: غير جامع لهذه الأموال حتى يكون له أصل مال.