[المنافق الجاسوس لصالح اليهود]
قال: [حدثنا محمد بن رافع حدثنا أبو النضر -وهو هاشم بن القاسم البغدادي، الملقب: بـ قيصر - قال: حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت بن أسلم البناني عن أنس بن مالك قال: (كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران -وبنو النجار هم أخوال النبي عليه الصلاة والسلام- فانطلق هارباً حتى لحق بأهل الكتاب)، انطلق هذا الرجل وترك النبي صلى الله عليه وسلم، وترك كتابة الوحي، وذهب إلى أهل الكتاب وهم اليهود.
قال: [(فرفعوه وشرفوه، وقالوا: هذا كاتب وحي محمد)]، وهم لا يعترفون بنبوته، وهذا -يا إخواني- مما ينبغي لكم معرفته، وهو أن اليهود لما علموا أن هذا يحفظ البقرة وآل عمران، وأنه من كتاب وحي الله الذي ينزل على محمد؛ عظموه وشرفوه، ورفعوه فوق رءوسهم، وجعلوا له مكانة عظيمة.
وهذا الموقف ينطبق تمام الانطباق مع ما يفعل بالدعاة والعلماء في هذا الزمان وفي غيره من الرفعة والتعظيم والشرف؛ بسبب دعوتهم إلى الله عز وجل، وتربيتهم للأجيال الناشئة، فالدعاة في صحة وأمان وعافية.
[(فانطلق هارباً حتى لحق بأهل الكتاب، فرفعوه قالوا: هذا قد كان يكتب لمحمد فأعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم -يعني: مات- فحفروا له فواروه -يعني: دفنوه- فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها).
وكأن الله تبارك وتعالى قد جعل لها أحاسيس، فتقبل أهل الإيمان، وتلفظ أهل النفاق والكفران.
قال: [(ثم عادوا فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذاً)].
وفي الحقيقة: أن أخلاق اليهود تختلف عن أخلاق النصارى والمشركين والمؤمنين، فالمؤمن يتجمل بمكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، ويتعلمها من القرآن والسنة، وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الذي ضرب المثل الأعلى في الكمال البشري في كل شيء، فمهما فعلت لا يمكن أن تصل إلى خصلة واحدة مما تخلق به عليه الصلاة والسلام.
وبعض الناس يظن أن اليهود أحسن من المسلمين، ولا يدري هذا المسكين أن له عندهم دوراً إذا انتهى هذا الدور كان حذاءً يلبس في أرجلهم! فالمنافق الذي يتجسس على المؤمنين، وعلى جيوش المسلمين لصالح الكفار وغيرهم؛ لابد أن يعلم أنه في نهاية أمره نعل يلبسه شارون وغيره، ولابد أن دوره سينتهي، وهناك أكثر من جاسوس قد اتخذوه في الدول الإسلامية، ولما انتهى دوره قتلوه أو نبذوه، لأنه تعدى الحدود التي رسمت له.
وفي كتب الجاسوسية العالمية أخبار شنيعة جداً، فهم يمدحون ويرفعون الإنسان فوق السماء وفجأة يقتلونه؛ لأنه تعدى الحد.
والسبب الثاني: أن معه أخبار قد كلف بتحصيلها وقد حصلها، وهم لا يأمنون منه فيقتلونه؛ خوفاً أن تتسرب الأخبار إلى الآخرين.
فيأتي آخر فيقتل القاتل؛ مخافة أن تتسرب نفس الأخبار إلى خارج الدائرة المطلوبة انتشار الخبر وهكذا.
ولا يرتاح قلب المرء إلا إذا كان عاملاً بالكتاب والسنة، فإذا قتل كان شهيداً، فهو يدور بين خيرين: إما عامل بالكتاب والسنة على منهاج النبوة، وإما شهيد، والمؤمن لا رغبة له إلا في هذين.
قال: [حدثني أبو كريب - محمد بن العلاء الهمداني - حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي سفيان -وهو طلحة بن نافع الواسطي نزيل مكة- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب).
أي: من شدتها تكاد تدفن الراكب؛ لأنها أخذت الرمال والأتربة وغير ذلك، فكانت ريحاً شديدة وعاصفة قوية جداً حتى كادت أن تدفن الراكب على فرسه.
(فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثت هذه الريح لموت منافق)].
يعني أن البعض قال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما بعثت هذه الريح إلا شماتة وفرحاً بموت فلان المنافق، وعقوبة له، وعلامة أن موته راحة للبلاد والعباد، وهذا مصداق قوله عليه الصلاة والسلام: (مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله! ما مستريح وما مستراح منه؟ قال: إن العبد المؤمن إذا مات استراح من البلاد والعباد، وإن العبد الكافر أو المنافق إذا مات استراح منه البلاد والعباد والشجر والدواب).
فحينئذ قامت هذه الريح الشديدة لما مات أحد المنافقين، هكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في طريق السفر إلى المدينة، وهذا المنافق مات بالمدينة؛ ولذلك قال جابر: (فلما قدم المدينة فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات).
وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام.