للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب جواز التحلل بالإحصار وجواز القران واقتصار القارن على طواف واحد وسعي واحد]

الباب السادس والعشرون: باب بيان جواز التحلل بالإحصار وجواز القران.

يعني: لو أحصرت.

هل لك أن تتحلل من إحرامك؟

الجواب

نعم.

لك ذلك.

وهل يجوز لك أن تدخل الحج على العمرة قراناً؟

الجواب

نعم.

يجوز لك ذلك وإن لم تنو من الميقات ذلك.

خرج عبد الله بن عمر رضي الله عنهما معتمراً، وكان ذلك في أيام الفتنة التي دارت بين الحجاج بن يوسف الثقفي وعبد الله بن الزبير، وأنتم تعلمون أن الحجاج دخل كما تدخل البهائم والحمير بلد الله الحرام، فضرب الكعبة بالمنجنيق، وكانت فتنة عظيمة جداً أكلت الأخضر واليابس.

فـ عبد الله بن عمرو دخل مكة في عام الفتنة معتمراً، وقال: [(إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: إن حال بيننا وبين البيت حائل تحللنا من إحرامنا كما تحللنا في عمرة الحديبية.

فالنبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى مكة في عام الحديبية معتمراً، وصده المشركون عن البيت، وقامت هناك شروط واتفاقيات من أحد بنودها أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذا العام ولا يدخلوا مكة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أحرم، فتحلل من إحرامه في الحديبية، فـ عبد الله بن عمر قال: إن صدني الحجاج أو صدتني الفتنة القائمة بمكة فما الذي يمنعني أن أتحلل في المكان الذي صددت فيه كما تحللنا مع النبي عليه الصلاة والسلام في عام الحديبية.

قال: [(فخرج فأهل بعمرة وسار، حتى إذا ظهر على البيداء التفت إلى أصحابه فقال -يعني: بعد أن دخلت في حدود أرض الحرم، وليس المسجد الحرام- ما أمرهما إلا واحد -أي: لو صددنا عن العمرة كما لو صددنا عن الحج والعمرة، فهما سواء- أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة)].

قال ذلك بعد أن عبر الميقات بأيام ليس بخطوات؛ لأنه أهل من ذي الحليفة بعمرة، وأدخل معها الحج في مكة، ويشترط شرطاً وحيداً أصيلاً فيمن أدخل الحج على العمرة: أن يكون ذلك قبل طواف القدوم، أما المتمتع فله أن يدخل الحج على العمرة بعد طواف القدوم، أما القارن فإنه يلزمه أن يدخل الحج على العمرة قبل بداية الطواف.

قال: (ما أمرها إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة، فخرج حتى إذا جاء البيت طاف به سبعاً، وبين الصفا والمروة سبعاً لم يزد عليه، ورأى أنه مجزئ عنه وأهدى).

قال: [وعن نافع أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير.

قالا: لا يضرك ألا تحج العام، فإنا نخشى أن يكون بين الناس قتال يحال بينك وبين البيت].

يعني: عبد الله بن عبد الله وأخوه سالم يقولون لـ عبد الله بن عمر: أترك الحج هذه السنة؛ لأن هناك قتالاً وفتنة عظيمة جداً بين الحجاج وابن الزبير، ونخشى ألا تتمكن من الحج.

قال: [(فإن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حين حالت كفار قريش بينه وبين البيت، أشهدكم أني قد أوجبت عمرة -يعني: أحرم بالعمرة من الميقات- فانطلق حتى أتى ذا الحليفة فلبى بالعمرة، ثم قال: إن خلي سبيلي قضيت عمرتي، وإن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، ثم تلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١]، ثم سار حتى إذا كان بظهر البيداء -أي: بالمكان الفسيح الذي بجوار الحرم- قال: ما أمرهما إلا واحد -أي: حكم الصد في العمرة كحكم الصد في العمرة والحج- إن حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحج، أشهدكم أني قد أوجبت حجة مع عمرة، فانطلق حتى ابتاع بقديد -مكان بالحرم- هدياً ثم طاف لهما طوافاً واحداً بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم لم يحل منهما حتى حل منهما بحجة يوم النحر)]، وبقية الأحاديث في الباب تشهد للمعنى الذي ذكرناه.

وفي هذه الأحاديث جواز التحلل بالإحصار، وفيه صحة القياس والعمل به؛ لأن عبد الله بن عمر اجتهد فقاس هذا على ما كان من حياة النبي عليه الصلاة والسلام، والصحابة رضي الله عنهم كانوا يستعملون القياس؛ فلهذا قاس الحج على العمرة في حكم الإحصار من عدمه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما تحلل من الإحصار عام الحديبية من إحرامه بالعمرة وحدها.

وفي هذا الحديث: أن القارن يقتصر على طواف واحد وسعي واحد، وهو مذهب جماهير العلماء.