للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم حد المرضع]

قال: (قوله: (فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت) أي: قام بمؤنتها ومصالحها، وليس هو من الكفالة التي هي بمعنى الضمان؛ لأن هذا لا يجوز في الحدود التي هي لله تعالى.

قوله: (لما وضعت قيل: قد وضعت الغامدية.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه، فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله! قال: فرجمها).

وفي الرواية الأخرى: (أنها لما ولدت جاءت بالصبي في خرقة قالت: هذا قد ولدته.

قال: فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: يا نبي الله! هذا قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فرجموها) فهاتان الروايتان ظاهرهما الاختلاف).

في الرواية الأولى قال النبي عليه السلام: (اذهبي حتى تضعي الحمل) فلما وضعت أتت النبي عليه الصلاة والسلام فأقام عليها الحد ولم يردها لأجل الرضاع.

وفي الرواية الثانية: أنه ردها لأجل الرضاع، فهنا تعارض في الظاهر.

إذاً: يجب تأويل الرواية الأولى وحملها على وفق الثانية؛ لأنها قضية عين واحدة.

يعني لو قلنا: أن الحالة المعروضة أمامنا هذه متعددة لقلنا: أتت إليه امرأة في أول الأمر فأقام عليها الحد، وأتت إليه امرأة ثانية فأرجأها وأخرها حتى تفطم ولدها، لكن ما العمل إذا كانت القصتان هما قصة واحدة، وأن المرأة في الروايتين هي امرأة واحدة؟ وإذا صح الحديث فلا بد من الجمع بين الروايتين، وإن لم تجمع بين الروايتين الصحيحتين لا بد أن تقول بأن إحداهما شاذة، وهذه نتيجة حتمية، وفي هذه الحالة لا يكون لك بينة، وإما أن تؤلف بينهما، أي: أن تحمل إحداهما على الأخرى أو تؤول إحداهما بحيث تتفق مع تأويل الأخرى، وإلا فإنك سترد إحدى الروايتين، وأهل العلم يقولون: العمل بالدليلين خير من إهمال أحدهما.

وهذا في حالة إمكانية الجمع، أما إذا كان الجمع مستحيلاً فلا بد من ثبوت رد إحدى الروايتين.

قال: (فإن الثانية -أي: الرواية الثانية- صريحة لا يمكن تأويلها)؛ لأن المرأة أتته الأولى والثانية والثالثة، فهي رواية صريحة جداً.

أما الرواية الأولى فليست صريحة، فيتعين تأويل الرواية الأولى: (قام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه) إنما قاله بعد الفطام) لا في المرة الأولى، ولكن الراوي اختصر الرواية.

(وأراد بالرضاعة: كفالته وتربيته، وسماه رضاعاً مجازاً).

قال: (واعلم أن مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق والمشهور من مذهب مالك: أنها لا ترجم حتى تجد من يرضعه).

وهذا مذهب الجمهور، لا يجوز رجم الزانية حتى تجد من يرضع وليدها.

قال: (فإن لم تجد أرضعته حتى تفطمه ثم رجمت.

وقال أبو حنيفة ومالك -في رواية عنه-: إذا وضعت رجمت ولا ينتظر حصول مرضعة).

وهذا كلام يخالف ظاهر الدليلين.

قال: (وأما هذا الأنصاري الذي كفلها فقصد مصلحة، وهو الرفق بها ومساعدتها على تعجيل طهارتها بالحد -بقيام الحد عليها- لما رأى بها من الحرص على تعجيل ذلك).

قال: (قوله عليه الصلاة والسلام: (إما لا فاذهبي حتى تلدي) أي: حيث إن الأمر كذلك فاذهبي حتى تضعي حملك.

ومعناه: إذا أبيتِ أن تستري على نفسكِ وتتوبي وترجعي عن قولك، فاذهبي حتى تلدي فترجمين بعد ذلك.

قوله عليه الصلاة والسلام: (فتنضح الدم على وجه خالد) معناه: ترشش وانصب).

يعني: انصب على ثوبه.