للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الإشهاد على اللقطة]

يجب الإشهاد على الالتقاط، بأن يُشهد الملتقط عليه رجلاً عدلاً واحداً فأكثر، وأقل الشهود في اللقطة واحد يشترط أن يكون عدلاً؛ لحديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من وجد لقطة فليشهد ذا عدل)، وفي رواية: (فليشهد ذوي عدل).

يعني: لا يكتم ولا يغيب، فإن وجد صاحبها فليردها عليه وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء.

والوجوب هو مذهب الظاهرية، وقول عند الشافعي، وإليه ذهب الشوكاني، والصنعاني، والحنابلة والمالكية، وقال الشافعي في أحد القولين باستحباب الإشهاد احتياطاً.

وسبب وجوب الإشهاد -وهو مذهب جماهير العلماء- أو استحبابه -وهو مذهب بعض أهل العلم- أنه يُمتنع به من الخيانة، فالشرع لما اشترط الشاهد اشترطه لمصلحة الملتقط، ليمتنع به من الخيانة، وأن الملتقط قد يموت فجأة فتصير اللقطة من تركته وليست كذلك، إذ قد يموت في مدة وجوب التعريف، فلا تدخل في مال الميراث، يأتي الشاهد حينئذ ويقول: هذا الميت قد التقط لقطة وهي كذا وعددها كذا في المكان الفلاني! وأنا الشاهد على ذلك فانتبهوا أن تُدخلوا هذه اللقطة في الميراث؛ لأنها ليست مال المورث ولا مال الورثة.

أما كيفية الإشهاد، فله طريقتان: الأولى: أن يشهد أنه وجد لقطة ولا يُعلِّم عفاصها ولا غيره؛ لئلا يتطرق الكذب إليها.

كأن أقول: يا فلان! أنا وجدت مالاً لا أعرف عدده ولا وصفه ولا نوعه ولا شيء من هذا أبداً، وأنا أعرفه في أماكن متعددة يسهل التعرف عليه من خلالها فحينئذ إذا ظهر صاحبه فهو له.

الثانية: أن يشهد على صفاتها كلها حتى إذا مات لم يتصرف فيها الوالي، لكن هذه تحتاج إلى أمانة الشاهد؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام اشترط أن يكون الشاهد عدلاً؛ لأنه لو كذب أو خان يصير فاسقاً، فاشترط النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون الشاهد عدلاً؛ لأن الشاهد ممكن أن يتواطأ مع أحد الخونة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل فيقول مثلاً: لقد ضاع مني (١٠٠٠) جنيه وبلغني أنها عندك وأوصافها كذا وعددها كذا وأوراقها كذا وضاعت مني في المكان الفلاني؛ لأن الملتقط قد أخبر الشاهد بهذه الأوصاف تفصيلاً.

فإذا لم يكن الشاهد عدلاً ضاعت الأمانة، واستطاع الكاذب أن يتوصل بكذبه وتدليسه وغشه إلى أخذ ما ليس له.

وقد أشار بعض الشافعية إلى التوسط بين التعريفين -أي: التعريف المفصل والتعريف المجمل- فقالوا: لا يذكر الصفات كلها، وإنما يعرف اللقطة ببعض الألفاظ دون البعض.

فمثلاً: يقول: وجدت من المال (١٠٠٠) في المكان الفلاني، فلو أن الشاهد الفاسق ذهب إلى أحد الكذبة قال له: اذهب إلى فلان وقل له: قد ضاع مني (١٠٠٠) جنيه فإنه لما يأتي الكاذب هذا للملتقط ويقول له: ضاع مني (١٠٠٠) جنيه في المكان الفلاني.

يقول له الملتقط: كيف شكل عفاصها؟ بماذا كانت ملفوفة؟ فيقول له: في ورق سلفان.

فيقول: لا.

فيقول له: أنا تذكرت والله فقد كانت في خرقة فعلاً.

فيقول له: كم الذي ضاع منك؟ يقول له: (١٠٠٠) جنيه، فيقول له: آسف الذي وجدته (١٠٠٠) دولار وليس (١٠٠٠) جنيه.