[قضاء عمر بين علي والعباس في شأن فدك وخيبر]
أما القوم فقالوا: أجل يا أمير المؤمنين! إن هؤلاء قد اختلفوا وطال خلافهم، فاقض بينهم وأرحهم.
[فقال مالك بن أوس: يُخيّل إلي أنهم قد كانوا قدموهم لذلك].
أي أن عبد الرحمن بن عوف وسعد والزبير وغيرهم يخيّل إلى مالك بن أوس أنهم سبقوا العباس وعلي إلى مجلس أمير المؤمنين عمر؛ حتى يُطلعوا عمر بن الخطاب على أصل القضية، وأنهم قد أمروا العباس وعلياً أن يأتياه بعد قليل من دخولهم على أمير المؤمنين.
[فقال عمر: اتئدا.
أي: أبطئا وانتظرا فسأقضي بينكم.
فقال: أنشدكم بالله! -أي: أستحلفكم بالله- الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)؟] أي: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، وإنما الذي تركناه صدقة.
أنشدكم بالله! أبلغكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا؟ [قال: قالوا: نعم].
أي: قال القوم الذين حضروا دون العباس وعلي، وهذا الكلام موجه للصحابة الذين دخلوا أولاً.
قال: [ثم أقبل عمر على العباس وعلي فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض].
فالقاضي إذا أراد القضاء في أمر ذكَّر الشهود بالله تعالى، وبعظمته وجبروته وكبريائه، وأنه يقصم ظهورهم إن كذبوا وخانوا وغدروا وغشوا، وهذا أصل من أصول القضاء، أن القاضي يذكّر الناس ويذكّر المتخاصمين والشهود بالله تعالى حتى لا يكذبوا ويؤثروا الدنيا على الآخرة.
فقال: [أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة)؟ قالا: نعم].
أي: أن العباس يعلم ذلك، ويعلم أنه لا ميراث له، وعلي يعلم أنه لا ميراث لابنة النبي عليه الصلاة والسلام وهي فاطمة التي كانت تحته.
قال: [قالا: نعم.
فقال عمر: إن الله جل وعز كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة لم يخصص بها أحداً غيره].
وهذا هو الشاهد من الحديث في حكم الفيء.
فـ عمر يقول لهم: الذي قد استقر في الأذهان وأجمعت عليه الصحابة رضي الله عنهم أن الله تعالى خص نبيه بخاصة ليست لغيره، وهذه الخاصة هي أن جعل مال الفيء تحت تصرفه عليه الصلاة والسلام يتصرف فيه كيف يشاء؛ لأنه لم يُبذل فيه جهد من المسلمين، ولم يوجفوا عليه بخيل ولا ركاب، فهذا خاص به عليه الصلاة والسلام.
[قال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر:٧] قال: فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بني النضير].
وكأنه يقول: يا علي! ويا عباس! أما قسّم النبي صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بني النضير؟ قالا: نعم.
وقال: هل استأثر بأموال بني النضير أحداً دونكم؟ قالا: لا، إنما قسّمه فينا، ولم يعط أحداً شيئاً؛ لأنه ليس لأحد حق في هذا المال، لأن أموال بني النضير -وهم يهود المدينة- إنما أخذه النبي صلى الله عليه وسلم صلحاً وفيئاً بغير قتال.
قال: [فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بني النضير، فوالله ما استأثر عليكم -أي ما قدّم عليكم أحداً- ولا أخذها دونكم].
أي: لم يستأثر بها هو دونكم يا أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: [حتى بقي هذا المال -أي: حتى بقي منه ما بقي- فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي أسوة المال].
أي: ثم يدخل ما بقي عن حاجتكما وحاجة أهل بيته في بيت مال المسلمين.
فقوله: (أسوة المال) أي: بيت المال.
[ثم قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون ذلك؟] أي: أتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاكم أموال بني النضير ولم يعط أحداً غيركم؟ [قالوا: نعم.
ثم نشد عباساً وعلياً بمثل ما نشد به القوم: أتعلمان ذلك؟ قالا: نعم.
قال: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجئتما.
تطلب ميراثك من ابن أخيك -يا عباس - ويطلب هذا - علي بن أبي طالب - ميراث امرأته من أبيها؟] أي: مع علمكم بهذا قد أتيتم تطلبان ميراثكما من النبي عليه الصلاة والسلام؟ [قال: فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نورث.
ما تركنا صدقة) فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً] مع أنهما لم يصرّحا بذلك، أي: أن العباس