للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قول منكر لعبد الرحمن الأعرج أن الدخان المذكور في الآية كان يوم فتح مكة]

وفي رواية عبد الرحمن الأعرج أنه قال: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان:١٠] قال: كان ذلك يوم فتح مكة، وهذا القول منكر جداً وغريب جداً، فلا عبرة به.

أما الرأي الثاني: أن آية الدخان لم تمض بعد، وإنما ستأتي إن شاء الله في آخر الزمان، وهي من أمارات الساعة كما تقدم في حديث حذيفة بن أسيد الغفاري قال: (أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر الساعة، فقال: لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى ابن مريم، والدجال، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس -أو تحشر الناس- تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا).

فذكْر الدخان مع هذه العلامات يدل على أنه سيكون في آخر الزمان؛ لأن هذه العلامات كلها لم تظهر بعد، فكيف تكون علامة الدخان في زمنه عليه الصلاة والسلام وبقية هذه العلامات كلها في آخر الزمان مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (لا تقوم الساعة إلا إذا رأيتم عشر آيات) وعد منها: الدخان؟! فهذا يدل على أن الدخان سيكون في آخر الزمان.

وأنتم تعرفون ابن صياد، وقد قيل: إنه المسيح الدجال، وقيل: هو غير المسيح الدجال، وكلام أهل العلم فيما يتعلق بـ ابن صياد سيأتي معنا إن شاء الله تعالى في نهاية كتاب الفتن من صحيح مسلم.

وقد جاء في غير ما حديث أنه دجال، وكان كثير من الصحابة يعتقدون أن ابن صياد هو المسيح الدجال، وقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم له: (إني خبأت لك خبأً، فقال ابن صياد: هو الدخ)، وهذا كلام السحرة والكهان والدجالين كلهم يقولون هذا، ولذلك إذا قرأت الحجاب الذي يعمله السحرة فإنك لا تكاد تقف على حقيقة أمره؛ لأن من شأن السحرة والكهان والعرافين أن يجيبوا على بعض الكلمة فيأتون بها مقطعة، وأحياناً يأتون بها مقطعة الحروف، أو يجيبون بحرف، ويتركون الحرف الثاني، فهم لا يكتبون كلمة كاملة، ولذلك أدرك النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا الدجال وهو ابن صياد عرف ما خبأه له، وهذا إنما يكون بوحي الشيطان إليه.

وهذه العلامة التي هدده بها النبي عليه الصلاة والسلام إنما هي سورة الدخان، ولذلك عبر عنها ابن صياد بالدخ، فالنبي صلى الله عليه وسلم فهم ذلك فقال له: (اخسأ عدو الله فلن تعدو قدرك).

يعني: ما قد قدره الله تعالى فيك لابد أنه كائن، والوعيد والتهديد الشديد الذي جاء في سورة الدخان سيصيبك منه لا محالة، حتى وإن كنت عارفاً بما خبأته لك، ولذلك قال: (اخسأ عدو الله فلن تعدو قدرك)، وقد خبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان:١٠].

قال ابن كثير: وهذا فيه إشعار بأن الدخان هو المنتظر لا أنه قد وقع فيهم بالفعل.

وابن صياد كاشف -أي: كاهن- على طريقة الكهان بلسان الجان، وهم يقرطمون العبارة، يعني: يقطعونها تقطيعاً، ولهذا قال: هو الدخ، يعني: الدخان، فعندها عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مادة ابن صياد أنها مادة شيطانية قال له: (اخسأ فلن تعدو قدرك).

وقد أورد ابن جرير حديثاً طويلاً عن حذيفة لكنه موضوع، وابن كثير يقول: لو صح هذا الحديث لكان فاصلاً، لأن الحديث صريح، والأحاديث الأخرى منها ما هو صحيح لكنه ليس صريحاً في الباب، ولذلك وقع الخلاف.

واختلف أهل العلم في الدخان إلى مذهبين؛ خلافاً لمذهب عبد الرحمن الأعرج حيث قال: الدخان هو ما كان يوم فتح مكة، وهذا مذهب منكر جداً لم يوافقه عليه أحد، وليس كلاماً صحيحاً، لكن الخلاف المعتبر: هل الدخان هو الذي كان في سنوات القحط والجدب على أهل مكة، أم أنه الذي سيكون في آخر الزمان؟ فـ ابن مسعود ومن معه يذهبون إلى أن هذا الدخان هو الذي وقع في سنوات الجدب والقحط على أهل مكة.

وجمهور السلف على أن آية الدخان وعلامتها إنما تكون في آخر الزمان.