للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء)]

قال: [وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي مسلمة - وهو سعيد بن يزيد الأزدي البصري الملقب بـ القصير - قال: سمعت أبا نضرة - وهو المنذر بن مالك بن قطعة - يحدث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).

قال: (قوله: (إن الدنيا حلوة خضرة، فاتقوا الدنيا) معناه: تجنبوا الافتتان بها كما تتجنبوا الافتتان بالنساء، وتدخل في النساء: الزوجات وغيرهن، وأكثرهن فتنة الزوجات -كما قلنا- لدوام فتنتهن وابتلاء أكثر الناس بهن.

وقوله: (الدنيا خضرة حلوة): يحتمل أن المراد به شيئان: أحدهما: حسنها للنفوس، ونضارتها ولذتها.

فالنفس دائماً تميل وتركن إليها؛ لأن فيها المتع واللذات والشهوات وغير ذلك.

قال: (كالفاكهة الخضراء الحلوة؛ فإن النفوس تطلبها طلباً حثيثاً فكذا الدنيا.

والثاني: سرعة فنائها).

والمعلوم أن كل أخضر مصيره إلى الجفاف والذبول واليبس، فكذلك الدنيا لا بد أن تفنى وأن تزول كما يزول الأخضر ويحل محله اليابس.

قال: (ومعنى: مستخلفكم فيها) أي: يجعلكم في الدنيا خلفاً لمن سبقكم، ويجعل لكم خلفاً لمن تسبقونهم، لا أن الله تعالى استخلفنا فيها؛ لأن هذه القضية تحتاج إلى تحرير، وهذه مسألة متعلقة بالاعتقاد.

وبعض أهل العلم يقولون: إن الخلف هنا لله عز وجل، فالله تعالى استخلفنا في الدنيا لنعمرها، ومعنى استخلفنا.

أي: جعلنا نواباً ووكلاء عنه في عمارة الدنيا، وهذا بلا شك كلام خطير.

قال: (ومعنى: (مستخلفكم فيها) أي: جاعلكم خلفاء للقرون الذين قبلكم، فأنا خلف لوالدي ووالدي خلف لوالده، وهكذا كل قرن يخلف قرناً.

أي: جاعلكم قروناً يعقب بعضكم بعضاً ويخلف بعضكم بعضاً.

وقوله: (فينظر كيف تعملون).

أي: أتعملون بطاعته أم بمعصيته؟ فإن أهل الطاعة يجازيهم بأحسن مما كان منهم، وإن أهل المعصية يعاقبهم الله عز وجل أو يعفو عنهم بمشيئته ورحمته.