[شرح حديث (والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)]
قال: [وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي - ابن راهويه - أخبرنا الثقفي - وهو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي - حدثنا خالد الحذاء].
وهو خالد بن مهران الحذاء، وقيل: الحذاء هو لقب له، ولقب بهذا لأنه كان يجالس الحذائين، مع أنه عالم كبير، وقد روى له الشيخان في صحيحيهما، ومع هذا كان عنده من التواضع ما يجعله يجالس الحذائين، وليس فقط كان يذهب مثلاً كل شهر مرة، بل ما لقب بهذا إلا لكونه كان يكثر من مجالسة الحذائين.
وقيل: هو نفسه كان حذاءً، وكان لا يقرأ ولا يكتب، فإذا اجتمع عليه طلاب العلم بعد الصلاة لقنهم العلم وهو يصلح النعل، لكن هذا الكلام ضعيف.
وأرجح الأقوال فيه: إما أنه كان يجالس الحذائين، أو أنه كان مشهوراً بقوله إذا سئل عن مسلك أو مشرب أو خلق أو عقيدة أو غير ذلك، كان ينصح السائل فيقول له: احذ حذو فلان.
سواء في الأخلاق، أو السلوك أو العقيدة أو غير ذلك.
قال: [عن أبي عثمان عن أبي موسى قال: (كنا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في غزاة).
فذكر الحديث -أي: ذكر الحديث السابق- وقال فيه: (والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)].
أي: إذا كان العبد أو الراكب لهذه الدابة يظن أن عنق الراحلة قريباً منه، فالله تبارك وتعالى أقرب إلى أحدنا من عنق راحلته.
[قال: وليس في حديثه ذكر: لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا النضر بن شميل، حدثنا عثمان بن غياث، حدثنا أبو عثمان، عن أبي موسى الأشعري قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة -أو قال:- على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: بلى.
فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله)].
أي: هي كنز من كنوز الجنة.
ففي هذا الحديث الندب إلى خفض الصوت بالذكر، إذا لم تدعو حاجة إلى رفعه، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه.
أي: الذي يخفض صوته بذكر الله عز وجل أبلغ في تعظيم الله عز وجل وتوقيره وإجلاله، إلا إذا دعت الضرورة والحاجة، أو لم يتمكن الإنسان من خفض الصوت، فلا بأس أن يرفع بذلك صوته ولا حرج عليه، فخفض الصوت بالذكر مندوب وليس واجباً، فإذا دعت حاجة إلى الرفع رفع كما جاءت بذلك الروايات.
أما قوله: (والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)، فهو بمعنى ما سبق، ومعناه المجاز، كقوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:١٦].
أي: نحن أقرب إلى المحتضر من حبل الوريد الذي هو داخل في رقبته.
والمراد: تحقيق سماع الدعاء.
فالله تبارك وتعالى يعلم السر وأخفى، بل يعلم السر الذي يسره الإنسان لأخيه، ويعلم كذلك ما تحدث به نفس الإنسان قبل أن يتكلم به مع أي أحد، بل قبل أن يجهر به مع نفسه، فالله تبارك وتعالى يعلمه، بل ويعلم ما هو أخفى من ذلك، يعلم الذي سيفكر فيه العبد، والذي سيعمله العبد، ومصير العبد بين يديه سبحانه وتعالى، فإذا كان الله تعالى يعلم كل ذلك، الحاصل منه وغير الحاصل، الماضي منه والمستقبل، الذي يسره الإنسان والذي يجهر به، الذي لم يفكر فيه الإنسان أصلاً، فهذا يحقق أن الله تعالى أقرب إلى أحدنا من حبل الوريد، وهو تحقيق سماع الدعاء.