للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث أنس فيما يقال عند النوم]

قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني -أي: ابن أسلم البناني - عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي)].

وهذا يقال كذلك بعد الفراغ من الطعام، وبعد الفراغ من الشراب، وعند النوم.

وأعظم كلمة يتقرب بها العبد إلى مولاه كلمة الحمد؛ ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح: (إن الله تعالى ليرضى من عبده -واللام للتوكيد- أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، وأن يشرب الشربة فيحمده عليها).

فشكر الطعام الحمد، وشكر الشراب الحمد؛ ولذلك سن النبي عليه الصلاة والسلام لمن فرغ من طعامه أن يحمده، وأن يقول فقط: (الحمد لله)، يعني: إذا وضع أمامك أشهى المأكولات وأفضل الأطعمة فإن الله تعالى ينتظر منك كلمة واحدة فقط، وهي أن تحمده على هذه النعمة؛ لأن الحمد إقرار بأن النعم من عند الله عز وجل، وهذا هو مراد الله تعالى من خلقه أن يقروا له بأنه الخالق الباري.

[(وكان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا)].

لأن الطعام من عند الله عز وجل وكذلك الشراب.

(وكفانا).

أي: كفانا الشر، أو كفانا مئونة الحياة، أو كفانا الأذى، أو كفانا كل شيء، أي: في ديننا ودنيانا.

(وآوانا) أي: رحمنا، أو تكون بمعنى المأوى وهو السكن، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: [(فكم ممن لا كافي لهم ولا مؤوي) يعني: كم من الخلق، وهذا والله صحيح، فلو دخلت محطة قطار مثلاً أو شيئاً من هذا القبيل، فإنك تجد الناس كلهم ينامون على الرصيف، وأنت عندك بيت، فإذا ركبت سيارة ففي خمس دقائق تكون في البيت، وتنام على السرير مرتاحاً، أفلا تستشعر نعمة الله عليك؟ وهناك من الشباب من يرى نفسه جميلاً وشعره ناعماً، وربما يكون أصفر وعينيه خضراوين، ويقول: السنة أن أسرح شعري على اليمين والشمال وأعمل فارقاً في نصف رأسي، ونحن سنوافقه على ذلك إذا كانت نيته صالحة، وينوي الاتباع، ولكن إذا كانت نيته الاتباع فليكمل الاتباع بلبس العمامة.

فعلى الشخص أن يستشعر نعمة الله عز وجل عليه، وأنه مكفي وغيره غير مكفي، وأنه له مأوى وغيره لا مأوى له.

وأذكر أني مرة في سنة (١٩٧٨هـ) جئت إلى القاهرة، وكان لي أقارب، فذهبت إلى أخي الذي كان يسكن في كلية دار العلوم، فوجدته قد كتب ورقة على الباب أنه مسافر وسيأتي بعد ثلاثة أيام، وكتب تاريخ ذلك اليوم، مما يعني: أني سأنتظر ثلاثة أيام، فذهبت إلى عمتي، فوجدت عمتي قد كتبت ورقة على الباب بأنها سافرت، فعدت إلى بعض أصحاب أخي الذين يعرفونه، فلم أجد أحداً، وكنت أريد أن أنام بأي شكل، فجئت إلى ابن عمتي وكان يعمل في شيراتون، وكتب أنه ذهب إلى العمل، وسيأتي الساعة العاشرة صباحاً، وأنا لم أنم إلى تلك اللحظة، فصعدت إلى الدور الأخير في الطالبية في شارع صبري، فوجدت شقة جديدة لازالت تتشطب وبها رمل، وكان معي شنطة فيها كتب، فقلت: أعمل هذه الكتب وسادة وأمهد هذا الرمل على شكل سرير، وأنام على الرمل وأضع كتبي تحت رأسي، ورضيت بهذه الحال، فجاء صاحب العمارة وهي مفتوحة وليس فيها أبواب، وقال لي: يا فلان! قلت له: نعم، قال: أتظن أننا فتحنا العمارة لوكندة أو ماذا؟ قلت له: أصل الحكاية.

قال لي: لا أريد أن أسمع، انزل، فنزلت، وذهبت إلى مسجد عباد الرحمن الذي هو على نفس الشارع، قبل صلاة العشاء، ولم أكن ناوياً صلاة المغرب ولا العشاء؛ لأنني لا أستطيع نهائياً، وقلت: بعد أن آخذ قسطاً من النوم -وأنا على سفر- أقوم وأجمع، فنزلت قبل العشاء بحوالي نصف ساعة، فصليت المغرب وأسندت ظهري على الحائط كي أرتاح ونمت، فجاء الرجل الخادم وقال: هل ستصلي أم لا؟ فقلت له: نعم، فقمت وتوضأت وصليت العشاء مع الناس، وبعد العشاء ذهبت إلى هذا الرجل وقلت له: أغلق علي باب المسجد، قال لي: لماذا؟ قلت له: أريد أنام هنا إلى الفجر، أصلاً أنا.

قال لي: لا لا، لا أصل ولا فصل، فمن يضمن لي، أخشى إن تركتك أن آتي وقد سرقت الميكرفون، وسرقت الأشرطة، وسرقت كذا.

قلت له: يا عم! والله أنا لست من هذا الصنف أبداً، أنا رجل محترم وابن ناس، قال لي: أنا لا أعرف، ولا يمكن أبداً.

فخرجت من المسجد وأنا لا أستطيع أن أضع رجلي على الأرض، فاستأجرت سيارة من موقف السيارات إلى أن وصلت إلى مسجد الحسين كي أنام لا لأصلي، فذهبت إلى هناك ونمت إلى الفجر، ولما بدأ المقرئ يقرأ استيقظت، فالمسجد مفتوح طوال الليل، وكنت أتصور أن الحمامات داخل المسجد، فدخلت الغرفة المباركة على اعتبار أنها حمامات، لأنني أبحث عن الحمام، فإذا بقلبي ينقبض، وخرج لي شخص ذراعه لا يقل عن مائة وخمسين كيلو، فقلت له: أين الحمامات؟ فقال: الحمامات في الخارج، اخرج، فخرجت وأنا خائف منه، ولما كنت خارجاً أمسكني في رقبتي مسكة أفقدتني النور تماماً