[الرد على من يستدل لجواز التمثيل بحديث: (خلق الله آدم على صورته)]
ويستدلون بشبهة أخرى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق آدم على صورته).
والحديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، والصورة تعني لأول وهلة المماثلة، فلو أنك تصورت عند المصور ثم أطلعتني على الصورة، لقلت: هذه صورتك؛ لأنها مماثلة لك؛ لأن أوصافها مثلك تماماً.
فالصورة تستدعي وتستلزم المماثلة، فقوله هنا: (إن الله تعالى خلق آدم على صورته)، هذا يستلزم المماثلة وإثبات الصورة لله عز وجل، وفي هذه الحالة يكون المعنى: إن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن، وهذا تفسير جاء في بعض الروايات.
والرواية التي فيها: (إن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن) رواية منازع فيها بين الصحة والضعف، بل ضعف بعض أهل العلم الرواية التي في البخاري ومسلم: (إن الله تعالى خلق آدم على صورته)، وقالوا: إنها منكرة من جهة المتن لا من جهة السند.
لو كان هذا الحديث ضعيفاً، لكفى ضعفه في رده، ولو كان صحيحاً وهو الراجح من أقوال أهل العلم والذي عليه الأدلة الكثيرة فينبغي تأويل هذا الحديث.
وتأويل هذا الحديث على وجهين: الوجه الأول: ينبغي الرجوع في تأويل النص إلى المناسبة التي ورد فيها النص، والمناسبة هي أن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه لطم جاريته على خدها، ثم ندم فذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام يستعتبه ويطلب منه لو أن هناك كفارة أو شيئاً من هذا، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ألا يضرب الوجه ولا يقبح، ثم قال: (إن الله تعالى خلق آدم على صورته)، أي: أن الله تعالى خلق آدم على صورة المضروب، أي: فلا تقبح هذا الوجه ولا تضربه مرة ثانية، فإن الله تعالى خلق آدم على صورته، فالضمير هنا الذي في (صورته) يعود على المخلوق، هذا تأويل.
وبعض أهل العلم قالوا: هذا الضمير يعود على الله؛ لأنه جاء في رواية أخرى صريحة: (إن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن)، فحملوا الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم (على صورته) على لفظ: (الرحمن)، فيكون الحديث: (إن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن).
والحذف في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم كثير، ومنه قوله تعالى على لسان مريم أم عيسى عليه السلام: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا} [مريم:١٨]، فهذا على تقدير محذوف، وتأويله: قالت: إني أعوذ بالرحمن منك، ثم تقف، إن كنت تقياً فابعد عني، فهي تذكره بتقوى الله؛ لأنه عندما أتاها الملك في صورة بشر خشيت على عرضها وخافت، فقالت: إني أعوذ بالله منك، وتقدير الكلام: إن كنت تقياً فابعد عني، أو فانصرف عني، أو فإليك عني، ولما كان العرب يفهمون هذا أثبته الله تعالى من باب الإيجاز في الكلام وعدم الإطناب.
فقوله هنا: (إن الله تعالى خلق آدم على صورته)، أي: على صورته التي خلقه الله تعالى عليها، ويكون التقدير أيضاً: إن الله تعالى خلق هذا المضروب على صورة آدم التي خلقه الله تعالى عليها، فلا يكون الأمر هنا فيه مماثلة بين وجه الخالق ووجه المخلوق.
ويكون التقدير في قوله: (على صورة الرحمن): إن الرحمن خلق هذا الوجه على ما صوره الرحمن في آدم، وهذا على فرض ثبوت لفظ الرحمن، فينبغي ألا تضرب هذا الوجه ولا تقبحه ولا تلعنه، كما أنه يحرم عليك أن تقبح وجه آدم وأن تضربه وأن تلعنه.
وبهذا تزول هذه الشبهة، والضمير يعود على أقرب مذكور، وهذا وجه آخر.
والذين قالوا: الضمير عائد على الله قالوا: إن الضمير يعود على الصورة وليس على آدم، فالهاء تعود على الصورة؛ لأنها أقرب مذكور، والخلاف بين أهل العلم: ما هو أقرب مذكور للضمير الصورة أو آدم؟ وجواب آخر: وهو أن الإضافة من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فقوله: (على صورته)، مثل قول الله عز وجل في آدم: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر:٢٩]، فليس المعنى: أن الله عز وجل أعطى آدم جزءاً من روحه، بل المراد إضافة الروح التي خلقها الله عز وجل في آدم إلى الله نفسه من باب التشريف، كما نقول: عباد الله، وبيت الله، وأمة الله، وعبد الله، وغير ذلك.
فقوله: (خلق آدم على صورته)، يعني: على الصورة التي خلقه الله تعالى عليها، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [الأعراف:١١].
والمصور آدم.
فالله هو الذي صوره على هذه الصورة التي تعد أحسن صورة في المخلوقات، ولهذا قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:٤]، أي: في أحسن صورة، فإضافة الله الصورة إليه من باب التشريف، فكأنه عز وجل اعتنى بهذه الصورة، ومن أجل ذلك لا تضرب الوجه فتعيبه حساً، ولا تقبحه، فلا تقل: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فتعيبه معنى؛ لأن هذه الصورة قد صورها الله وأضافها إلى نفسه تشريفاً وتكريماً،