في الباب الرابع يتكلم عن بيان تحريم الغدر، وفيه: حديث ابن عمر وحديث ابن مسعود وحديث أنس وحديث أبي سعيد الخدري.
وهذه الأحاديث كلها بمعنى واحد، فحديث عبد الله بن عمر يقول: [سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا جمع الله الأولين والآخرين -أي: يوم القيامة- يُرفع لكل غادر لواء عند استه -أي: عند مؤخرته- ويقال على الملأ وعلى رءوس الأشهاد: هذه غدرة فلان ابن فلان)] وفي رواية بزيادة يقول فيها: (ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة) ليس هناك غدر أعظم من غدر إمام لعامة، وإمام العامة هو صاحب الولاية العامة كرئيس دولة، أو محافظ، أو وزير، أو غير ذلك ممن تولى الإمارة العامة والرئاسة العامة، وكان في يده نوع من أنواع الولاية العامة لا الولاية الخاصة، فإذا غدر هذا فلا شك أنه أعظم غدراً؛ لأنه يغش الأمة بأسرها حينئذ.
وما ضيع إخواننا المجاهدين في أفغانستان إلا غدر أئمة العامة، فهؤلاء المنافقون يتظاهرون بالإسلام ابتداء وهم يبطنون النفاق ويبطنون اعتقادهم مذهب الشيوعية، كما أن منهم أصحاب مصالح ووجاهة وكراسي، وتصبو أعينهم إلى رئاسات يركنون من أجلها إلى الغرب تارة وإلى الشرق تارة أخرى، فلو أن الجاهل سكت لقل الخلاف، ولو أن الله تعالى نجى المجاهدين المخلصين الموحدين من غدر الغادرين في هذه البلاد لكانت الحرب قد وضعت أوزارها منذ زمن بعيد، ولكن شاء الله عز وجل أن يسلط هؤلاء على أولئك حتى يبتليهم ويختبرهم؛ ليميز الله الخبيث من الطيب، وهذه سنة كونية في الكون، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام أول من ابتلي بذلك.
أنتم تعلمون أن صفوف المنافقين في المدينة كثيرة، وقد نخروا في عظام الإسلام في صدره الأول، والنبي عليه الصلاة والسلام عرفهم، ولكنه تركهم لحكمة عظيمة مخافة أن يقول الناس: إن محمداً يقتل أصحابه، وليسوا أصحابه في الحقيقة، وإنما هم كفار منافقون.