[البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة]
الباب الثاني: في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة.
[حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد -وهو القطواني - عن محمد بن جعفر بن أبي كثير حدثني أبو حازم -وهو سلمة بن دينار - عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي، ليس فيها علم لأحد).
قوله: (أرض بيضاء عفراء) هي الأرض التي تميل إلى الحمرة، فليست بيضاء نقية، وليست حمراء كالنار، وإنما هي كقرصة النقي، ليس فيها علم لأحد.
يعني: كأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الأرض يوم القيامة تبدل عن حالها، وتتغير عن وضعها في الدنيا، فالأرض في الدنيا فيها جبال، وأنهار، والعالي والنازل وفيها غير ذلك، وأما يوم القيامة فمبسوطة تماماً كالرغيف، فلا هي حمراء تماماً، ولا هي بيضاء تماماً، كما أنها ليس بها علامات لأحد، يعني: أنت تعرف بيتك في الدنيا بأنه في محل كذا وكذا، وإذا أردت أن تصف بيتك لأحد من الناس فإنك تصفه بعلاماته وأماراته، لكن يوم القيامة ليس في الأرض علامات ولا أمارات، والإنسان أول ما يبعث يقف على الأرض لا يعرف أين هو، وإنما يساق إلى المحشر والحساب والجزاء.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (ليس فيها علم لأحد) أي: ليس فيها سكنى ولا علامة ولا بناء ولا أثر.
قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن الشعبي -وهو عامر بن شراحيل -عن مسروق بن الأجدع عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إبراهيم:٤٨] فأين يكون الناس يومئذ؟ قال: في الظلمة دون الجسر)].
أي: سألت عائشة: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فأجابها النبي عليه الصلاة والسلام: في الظلمة دون الجسر، وهو الصراط.
وهذا يدل على عظم الصراط الذي يمر عليه الناس أجمعين، والعجيب أن أحد أساتذة الأزهر الكبار وهو أستاذ الحديث الذي له منزلة عظيمة في قلوب الشباب كان يشرح عن الصراط والميزان وغير ذلك، فقال: إن الله عز وجل خاطبنا بما نعقل وبما نفهم، فالميزان ليس ميزاناً حقيقياً، وإنما هو مجاز عن المحاسبة، والمقصود منه: أن الله تعالى يحاسب العبد إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
فقد تصور الشيخ أن وزن الأعمال من المعنويات لا من المحسوسات! لكن إذا أمرك الله عز وجل أن تؤمن به كان واجباً عليك أن تقول: سمعنا وأطعنا، وإلا فهل رأيت الله عز وجل؟ فإن قلت: لا، يلزمك أن تقول: أنا لا أتصور الله عز وجل، وبالتالي يكفر المرء ويخرج من الإيمان بالكلية.
فالذي نقوله في ذات الإله عز وجل نقوله في كل أمر غيبي، أننا نؤمن به على مراد الله عز وجل به؛ لأنه أخبرنا به، فالميزان الذي توزن به الأعمال يوم القيامة ميزان حقيقي لا يشبه موازين الخلق، فالله تبارك وتعالى إما أن يزن الأعمال بعامليها، وإما أن يزن الأعمال على اعتبار أنها معنويات؛ لأنه على كل شيء قدير، أو يجعل المعنوية في صورة محسوس فيزنه، وهذا كلام علماء السلف فيما يتعلق بوزن الأعمال.
فنحن في هذا الوقت نزن الهواء، فهو شيء محسوس يوزن، وكان الذين من قبلنا يقولون: الهواء شيء معنوي لا حسي، ونحن وصلنا إلى أن الهواء شيء محسوس، وبالتالي بدأنا نوزنه، فما المانع أن نسلم لله لأول وهله، ونقول: إن الله تعالى على كل شيء قدير؟! والموت في ذاته شيء معنوي، ومع هذا فإن الله تعالى يجسده يوم القيامة، فإذا فرغ من موت الخلق وصعقهم جميعاً أمر الموت، وهذا يدل على أن الموت يخاطب فيعقل، والله تعالى جعل الموت كبشاً يذبح على الصراط، فكيف نقول: إن الله تعالى لا يزن الأعمال؛ لأنها من المعنويات، بل هو على كل شيء قدير.