للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم]

(باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم).

وهذا تشبيه للصورة بالصورة، وليس للذات بالذات؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يكون قمراً والقمر لا يمكن أن يكون إنساناً، ولكنه تشبيه لصورة الرجل بصورة القمر، ويمكن أن تنظر في هذا الوقت لرجل دميم الخلقة لكنك تريد أن تمدحه وتقول: إن وجهك كالقمر، مع أنه لا يساوي أدنى نجم، لكنه على أية حال من باب الكذب لإدخال السرور والأنس على قلب الممدوح، والنبي عليه الصلاة والسلام أجاز الكذب على الزوجة، كأن تقول لها: أنت جميلة وهي ذميمة، عملك طيب وصالح، وعملها دون ذلك، وهذا من باب الملاطفة والمؤانسة وحسن العشرة، ويوم القيامة أول زمرة تدخل الجنة تكون صورتهم في الوضاءة، والإشراق، والبهجة، والحسن، والجمال كما لو كانوا على صورة القمر، فهذا تمثيل، وهذا من التمثيل المباح الحلال، تمثيل لصورة هؤلاء في الحسن والجمال والوضاءة والإشراق بصورة القمر، وفائدة التمثيل تقريب المعنى، فأول زمرة تدخل الجنة يوم القيامة تكون صورتهم على صورة القمر ليلة البدر.

قال: [حدثنا عمرو الناقد، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي جميعاً عن ابن علية -وهو إسماعيل - واللفظ لـ يعقوب قالا: حدثنا إسماعيل بن علية أخبرنا أيوب -وهو ابن أبي تميمة السختياني - عن محمد -وهو ابن سيرين - قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا: الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟].

يعني: ذكرنا كلاماً على سبيل المفاخرة أو المذاكرة، وهذا الكلام دار بين الرجال والنساء.

مثلما تكون جالساً مع امرأتك تقول لها: الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟ إما أن تكون تطرح هذا السؤال من باب الوصول إلى الحقيقة العلمية أو الحقيقة الإيمانية، وإما أن تكون تبكتها وتعتبها وتقول لها: أريد أن أعرف هل الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واطلعت في النار فوجدت أكثر أهلها النساء)، فأنت تسألها ذلك من باب التبكيت والتعتيب، تقول لها: لما اطلع النبي وجد أكثر أهلها النساء؛ لأنهن ينكرن حسن العشرة، وهذا يؤدي بها إلى النار، فأنت أتيت بها وقمت تلف من بعيد؛ لأنك لا تجرؤ أن تدخل مباشرة في الموضوع بل تلف من بعيد وتأتي بحيثيات حتى تذكرها واحدة بواحدة.

[قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟ فقال أبو هريرة أولم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب)].

قوله: (يرى مخ السوق)، لما ترى إلى العظم ترى المخ الذي في الساق، يعني: ترى هذا الدهن الذي في داخل الساق من بعد العظم.

وقوله: (وما في الجنة أعزب) لا يوجد أحد في الجنة أعزب كلهم متزوجون، ولكل من دخل الجنة من الرجال اثنتان من الحور العين، فضلاً عن أحب نسائه إليه في الدنيا، ولو كان متزوجاً واحدة فهي زوجته إن دخلت الجنة، وإن كنت تبغضها في الدنيا فإن الله يقول: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الأعراف:٤٣]، فستكون ساعتها إنسانة محببة جداً إلى قلبك، والذي فات مات، وإن حاولت أن تتذكره لا يمكنك ذلك؛ لأن الله تعالى يحول بينك وبينه، كما يحول بينك وبين ما قد جرى بينك وبينها من مشاكل في العام الماضي أنت لا تذكرها الآن إنما أنت تذكر ما بينك وبينها الآن وتنسى ما قد مضى، فإذا كان يوم القيامة فإن الله تعالى ينسيك ما كان بينك وبينها من شحناء أو بغضاء.

وعلى أية حال هذه الشحناء والبغضاء سنة من سنن الله الكونية في الكون، حتى لا يتصور إنسان أنه وصل إلى مرحلة لا يمكن معها الصبر، نعم، قد يصل الرجل مع امرأته إلى هذه المرحلة ولا يكون هناك علاج إلا الطلاق، وآخر الدواء الكي، والأصل في الزوجية القيام والديمومة والاستمرار، والطلاق استثناء ولضرورة، ومن زعم أن الطلاق مباح بغير ضرورة وبغير حاجة ولا عذر، فلا شك أنه قد خالف ما اتفقت عليه كلمة الأمة، أي: كلمة علماء المسلمين.

قال: (وما في الجنة أعزب) والأعزب هو من لا زوجة له، والأفصح: وما في الجنة عزب.