للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم قتل من يجب عليه القتل بقصاص أو رجم أو غيره في الحرم]

وفي هذه الأحاديث دلالة للشافعي وموافقيه في أنه يجوز أن يقتل في الحرم كل من يجب عليه قتل بقصاص أو رجم.

أي: إذا كانت هذه الفواسق بسبب الفسق جاز قتلها في الحرم، فكذلك الذي اكتسب حد الزنا أو السرقة أو غير ذلك لابد أنه فسق فيقاس على هذا المنصوص من جهة جواز إقامة الحد عليه في المسجد أو في الحرم.

قال: (في هذه الأحاديث دلالة للشافعي وموافقيه في أنه يجوز أن يقتل في الحرم كل من يجب عليه قتل بقصاص أو رجم بالزنا أو قتل في المحاربة وغير ذلك، وأنه يجوز إقامة جميع الحدود فيه، سواء كان موجب القتل والحد جرى في الحرم أو خارجه).

يعني: حتى لو أتى الذنب وهو خارج الحرم، كأن يكون زنى خارج الحرم أو سرق خارج الحرم، والمحترفون لا يسرقون إلا عند الطواف حول الكعبة، فيالها من قلوب مثل الحجارة! بل هي أشد وأقسى من الحجارة، يلبس ملابس الإحرام ويطوف مع الناس لكنه لا يطوف بنية العبادة وإنما بنية السرقة.

يقول الشافعي: يجوز إقامة كل الحدود في المسجد، سواء كان موجب القتل والحد جرى في الحرم أو خارج الحرم، يعني: ارتكب السرقة خارج الحرم ودخل الحرم، ويحتج بقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران:٩٧] فـ الشافعي يقول: يقام عليه الحد سواء ارتكب ما يوجب الحد في الحرم أو خارج الحرم.

أما أبو حنيفة وطائفة معه فقالوا: ما ارتكبه من ذلك -أي: ما ارتكبه من هذه الموجبات للحد- في الحرم يقام عليه فيه -يعني: إذا أتى ما يوجب الحد في الحرم يقتل في الحرم- وما فعله خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم إن كان إتلاف نفس لم يقم عليه في الحرم، بل يضيق عليه ولا يكلم ولا يجالس ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج منه فيقام عليه الحد خارج الحرم، وما كان دون النفس يقام فيه، ولكنهم لم يفرقوا بين نفس ودونها وحجتهم ظاهر الآية: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران:٩٧] إلى آخر ما ذكره.