شرح حديث: (إن في الجنة باباً يقال له: الريان)
قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد - وهو القطواني - عن سليمان بن بلال حدثني أبو حازم -وهو سلمة بن دينار - عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة باباً يقال له: الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة)]، لما كان الجزاء من جنس العمل كافأ الله عز وجل الذين عانوا الظمأ والعطش في الدنيا، بأن سمى بابهم الذي يدخلون منه خاصة -ولا يدخل معهم أحد-: باب الريان، وهو من الري الذي هو ضد العطش؛ لأن الصائم إنما يصبر على العطش أكثر من صبره على الجوع؛ ولذلك الذي يقوم متأخراً قبيل الفجر يكون همه أن يشرب الماء، لأن الماء لا يعوض، أما الطعام فيمكن الصبر عليه، ولذلك تجد الكثير ممن يمتنع عن الطعام من باب العلاج، كما فعل شيخنا الألباني رحمه الله، لم يطعم طعاماً قط مدة سبعة وعشرين يوماً، لم يطعم فيها شيئاً، وإنما كان يشرب سوائل وعصائر وغير ذلك، وكان ذلك لعلة في بطنه، حتى أجرى التحاليل والأشعات الطبية، فكانت النتيجة أنه برئ من مرضه تماماً، فلما أخبر بهذه النتيجة أقبل على الطعام والشراب.
وكان شيخنا عليه رحمة الله يأكل كثيراً، حتى كانت بنته أم عبد الله تحمل من أمامه الطعام حملاً فكان يغضب، فمرة دعانا زوج ابنته نظام سكجها، زوج بنت الشيخ أم عبد الله، وهي أحب بناته إليه وأكبرهن، فوضعت لنا الطعام وما أشهاه! ووضعت طعاماً منفرداً على مائدة أخرى لأبيها، فأول ما دخل الشيخ ونظر في الطعام قال: يد الله مع الجماعة، وذكر أحاديث البركة إذا اجتمعوا على الطعام، فـ نظام قال له: مهما حاولت ستأكل لوحدك، قال: والله إذا أنفذتم كلامكم فلآكلن هذا الطعام ثم لا أدخل هذا البيت ثانية، فأكل معنا الشيخ وأكل ثم أكل ثم أكل، وابنته تصرخ بالداخل وتطرق الباب، فدخل إليها زوجها نظام فصاحت في وجهه وقالت: أنت تعلم أن الطعام يضره، والشيخ إذا أكل لا يستطيع أن يمنع نفسه، فقال: والله رفض الشيخ أن يقوم عن المائدة، لكن بعد الفراغ من الطعام سيدخل عليك فقولي له ما شئت.
كذلك الإمام النسائي كان أكولاً، ورد في ترجمة الإمام النسائي صاحب السنن أنه كان يأكل كل يوم ديكاً من ديوك زمانه، لكن كان إذا نودي للجهاد رأيت النسائي في الصف الأول.
وكذلك شيخنا الألباني عليه رحمة الله ما كان يسمع بمكان فيه بدعة إلا ويكون أول الحاضرين للدفاع والذب عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فكثرة طعامه لا تعيبه، ولكن ذكرنا هذا من باب الطرفة، ومعرفة بعض أحوال الشيخ عليه رحمة الله.
قال: [(يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم)] يعني: هذا الباب خاص بالصائمين فقط، لا يدخله إلا الصائمون، فمن حافظ على صيام الفرائض والنوافل، وكان من عادته ومن دأبه الصيام، فهذا جزاؤه وثوابه، وهذه كرامة يمنحها الله عز وجل عبده الطائع، في الدنيا بالذكر الجميل والثناء الحسن عند الناس، وفي الآخرة بالثواب العظيم والكرامة منه سبحانه.
كذلك من يحافظ على صلاة الجماعة تبجله وتعظمه الناس؛ لأنه قبل النداء يكون في المسجد.
كذلك من يقوم الليل يظهر أثر ذلك عليه، فالتوفيق للطاعة نعمة ومنحة من الله عز وجل، ولذلك كان هناك رجل من المحدثين في الزمن الأول يقول: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال، ثم انتظر حتى يكتب الطلاب السند، فدخل رجل من شأنه ودأبه قيام الليل، فقال المحدث: من صام بالنهار ظهر نوره بالليل.
فكتب الطلاب: من صام بالنهار ظهر نوره بالليل.
فظنوا أن هذا حديث؛ لأنه أملاهم الإسناد ووقف عند قال النبي عليه الصلاة والسلام، وسكت حتى يكتبوا الإسناد، فلما دخل هذا الرجل قال هذا القول عنه، فظن الطلاب أن هذا هو حديث النبي عليه الصلاة والسلام، وليس كذلك، فوقعوا في هذه المخالفة.
قال: [(يقال لهم: أين الصائمون؟)] أي: في المحشر، والقائل إما أن يكلف الله تعالى ملائكته بالنداء على الصائمين، وإما أن الله تعالى هو الذي يتولى النداء بنفسه.
قال: [(أين الصائمون؟ فيدخلون من هذا الباب، فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد)].
لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: إن في الجنة باباً يدخل منه المصلون، وإن في الجنة باباً يدخل منه أهل الزكاة، وإن في الجنة باباً يدخل منه الصائمون، وعدد الطاعات، فقال أبو بكر الصديق: (يا رسول الله! هل على رجل من بأس أن يدخل من جميع هذه الأبواب؟) يعني: هل من مانع أن يدخل رجل واحد من جميع هذه الأبواب؟ قال: (لا، ليس هناك بأس، وأنت منهم يا أبا بكر).
فـ أ