عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يجد القتيل مس القتل إلا كما يجد أحدكم مس القرصة) وهذه بشارة عظيمة جداً، فنحن نرى الرجل يضرب بالنار أو بالصاروخ أو بالطائرة أو بالقنابل أو غير ذلك، فيقطع مئات وآلاف القطع في الهواء والسماء، فنشفق عليه أيما إشفاق، وهو في حقيقة الأمر لم يشعر بذلك، وهذه كرامة من الله عز وجل وخاصية للشهيد، لا يجد في وقت قتله وضربه من الألم إلا كما يشعر أحدنا بالقرصة، أو بوخزة الإبرة، أو غير ذلك، وهذه بشارة عظيمة تبعث النفوس على حب الجهاد والقتال.
وعن جابر بن عبد الله قال: حينما قُتل أبي يوم أحد قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا جابر! ألا أخبرك ما قال الله لأبيك؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: وما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب إلا أباك، كلم الله أباك كفاحاً -أي مواجهة- فقال: يا عبد الله! تمن علي أعطك) أي: اطلب ما شئت، وإذا تمنيت أعطيتك ما تمنيت.
قال:(فقال: يا رب! فردني -أي: إلى الدنيا- فأُقتل فيك ثانية)؛ لأنه وجد حلاوة القتال وحلاوة أن يُصرع المشركون بين يديه، ثم إنه لو قُتل لا يجد مس القتل، وهذا مكسب عظيم بغير أدنى خسارة ولا ألم.
قال:(يا رب! فردني فأُقتل فيك ثانية، فقال الله عز وجل: سبق مني أنهم إليها لا يرجعون.
قال: يا رب! فأخبر من ورائي -أي: بما نحن فيه من نعيم- فأنزل الله عز وجل:{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران:١٦٩]).
وهذا الحديث فيه إثبات صفة من صفات الله عز وجل وهي صفة الكلام، وأن الله تعالى يتكلم بما شاء وكيف يشاء في أي وقت شاء:{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:٢٣] أما كيفية الكلام فنحن لا نعلمها، وأما معنى الكلام والعلم به فذلك معلوم يقيناً، والسلف رضي الله عنهم ليس من منهجهم ولا من عقيدتهم تفويض العلم ولا تفويض المعنى، وإنما منهجهم تفويض الكيف.
وعن أنس بن مالك قال:(لما قتل حمزة وأصحابه يوم أحد قالوا: يا ليت لنا من يخبر إخواننا بالذي صرنا إليه من كرامة الله.
قال: فأوحى ربهم جل ثناؤه إليهم: أني رسولكم إلى إخوانكم بما أحببتم.