[اعتناء مسلم بالتمييز بين (حدثنا وأخبرنا) وتقييد ذلك على مسالكه]
فالإمام مسلم امتاز عن الإمام البخاري ببعض المميزات: أولها: أن الإمام مسلماً سلك مسلكاً في صحيحه، وهو أنه سلك طريقة طريفة في الاحتياط والإتقان والورع والمعرفة، وذلك مصرّح بكمال ورعه وتمام معرفته وغزارة علومه، وشدة تحقيقه بحفظه لا يهتدي إليها إلا أفراد في الآثار، كاعتنائه بالتمييز بين (حدثنا وأخبرنا)، وتقييد ذلك على مسالكه، فالإمام مسلم يفرّق بين قوله:(حدثنا وأخبرنا) كما يفرّق بين قوله: (حدثنا وحدثني)، فإذا قال الإمام: حدثنا زهير بن حرب فهذا يعني: أنه حدثه في مجلس التحديث، أي: في اجتماع الناس، في هذا المجلس يقول رجل:(حدثنا فلان) ولا يقول: (حدثني فلان)، بل حتى اللغة لا تشهد له بذلك، فإذا قال الراوي:(حدثنا) أي: حدثنا في جمع، وإذا قال:(حدثني)، أي: حدثني وحدي.
وكذلك يفرّق بين لفظ:(حدثنا وأخبرنا)، فـ (حدثنا) هو من لفظ الشيخ ما لم يُقيد بخلاف (أخبرنا) فـ (أخبرنا) هو أن يكون الأمر عرضاً على الشيخ، وذلك بأن يقرأ أحد الحضور والشيخ يسمع، ثم يقر هذا الحديث أو هذا الاستملاء، فهذا يقول فيه جمهور أهل العلم:(أخبرنا) ولا يقولون فيه: (حدثنا)، وغيرهم يقول:(حدثنا فلان عرضاً عليه)، فهذا تقييد، ولو كان الأمر مهملاً بلا تقييد لحُمل اللفظ (أخبرنا) على العرض على الشيخ.
فكذلك اعتنى مسلم بضبط هذه الألفاظ في متن الحديث أو صفة الراوي أو نسبته أو غير ذلك.