[سؤال الله الجنة والاستعاذة من النار]
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد: فلا زال الكلام موصولاً عن الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ما من مسلم يسأل الله تعالى الجنة ثلاثاً إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، وقالت النار: اللهم أجره مني)، فإننا نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يدخلنا الجنة، اللهم أدخلنا الجنة، اللهم أدخلنا الجنة، اللهم أدخلنا الجنة، وأن يجيرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، وهذه شفاعة للعبد المؤمن إذا قدم السبب، ومعلوم أن الاعتماد على السبب شرك بالله عز وجل، وترك الأسباب قدح في التوحيد، ولو أنك اعتمدت أن هذا الطعام هو الذي يشبعك فهذا شرك بالله؛ لأن الطعام ما هو إلا سبب، وكذلك المرأة أنت تزوجتها التماساً للولد ولا يلزم من ذلك وجود الولد، فكم من رجل تزوج لينجب وليكون له الولد ولم يأت الولد، ولكنه التمس السبب وأدى ما عليه، وكذلك المرء إذا عطش شرب ومع هذا هو يشرب ثم يشرب ثم يشرب ولا يشعر بالري؛ لأن الله لم يروه.
فكونك تأتي بالسبب هذا أمر واجب، أما أن تعتمد عليه وتعتقد أن هذا السبب هو الموصل للغرض بغير مراد الله عز وجل ومشيئته فهذا شرك بالله عز وجل، فالاعتماد على الأسباب والتوكل عليها، والظن أن لها تأثيراً فعالاً بطبيعتها كما قال عليه الصلاة والسلام: (ماء زمزم لما شرب له)، وقال: (ماء زمزم طعام طعم، وشفاء سقم)، يعني: من شربه ليطعم ويشبع كان ذلك، ومن شربه ليشفى من علته كان ذلك، فمن تصور أن هذا الماء يقوم بهذا الدور بطبيعته بغير إرادة الله له وأمر الله له فلا شك أن هذا باب من أبواب الشرك، فالاعتماد على الأسباب شرك بالله، وترك الأسباب قدح في التوحيد.
فمثلاً: لا أحد يقول في هذا الوقت: الله قادر على أن يرزقني الولد من غير زواج، أليس كذلك؟ يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:٢٠]، ومن كمال قدرته سبحانه وتعالى أنه خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من ضلع آدم، وخلق عيسى من غير أب؛ وهذا يعني أنك تترك الأسباب، والله تعالى قدر ذلك لحكمة عظيمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، وهذا لا يعني أن تترك أنت الأسباب، وتقول: الله تعالى قادر على أن يطعمني ويسقيني وأنا لا آكل ولا أطعم، نعم.
الله تعالى قادر على أن يجعلك ممتلئاً دائماً بغير طعام ولا شراب، لكن القادر على ذلك هو الذي أمرك أن تأكل وأن تشرب التماساً للسبب، وأنت بإمكانك أن تأكل ولا تشبع، وتشرب ولا تروى إلا أن يطعمك الله ويسقيك الله عز وجل.
فكذلك من أسباب دخول الجنة: أن من سأل الله الجنة ثلاثاً، واستعاذ من النار ثلاثاً كانتا له شفيعاً، الجنة تقول: (اللهم أدخله الجنة)، والنار تقول: (اللهم أجره مني).
ولذلك روى أنس مرفوعاً، أي: من قوله عليه الصلاة والسلام، وموقوفاً: أي: من قول الصحابي، ومقطوعاً من قول التابعي فمن دونه.
والمرفوع: من الرفعة وعلو الشأن، أي: من قول النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان أدون من ذلك وأقل من ذلك فنقول عنه: أثر، والأثر مما جاء عن الصحابة.
وحديث أنس المرفوع هو: (من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاثاً قالت النار: اللهم أجره مني)، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه هو نفس المعنى لكن بلفظ آخر، فقد جاء عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (احتجت الجنة والنار) يعني: اختلفتا، وتحاجتا، كل منهما قدمت حجتها، وقدمت ما لديها من أقوال، (فقالت النار: يدخلني الجبارون والمتكبرون)، وهم أهل النار وسكانها أعاذنا الله منها، (وقالت الجنة: يدخلني الفقراء، والضعفاء، والمساكين)، غالب أهل الجنة، كما أن غالب أهل النار الجبارون والمتكبرون، (فقال للنار -أي: الله عز وجل قال للنار- أنت عذابي أعذب بك من شئت، وقال الله تعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من شئت)، فالنار هي عذاب الله تعالى، والجنة هي رحمة الله تعالى ونعمته لبعض عباده، وهذا الحديث في الصحيحين.