للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث ابن عباس في دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة وتكسير الأصنام]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو بن الناقد وابن أبي عمر -واللفظ لـ ابن أبي شيبة - قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح - عبد الله بن يسار المكي، أبو يسار الثقفي مولاهم- عن مجاهد -وهو مجاهد بن جبر المكي من كبار تلاميذ ابن عباس - عن أبي معمر -وهو رواية تابعي عن تابعي، وأبو معمر هو عبد الله بن سخبرة الكوفي الأزدي - عن عبد الله بن مسعود قال: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة -أي: يوم الفتح- وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصباً) وفي رواية: (صنماً).

حول الكعبة (٣٦٠) نصباً أو صنماً، أي: بعدد أيام السنة، لا أدري هل كانوا يعبدون هذه الأصنام كلها في وقت واحد وفي كل يوم، أو أنهم كانوا يعبدون في كل يوم صنماً آخر يختلف عن صنم الأمس، ويختلف عن صنم الغد، بل كان لكل مشرك في مكة أربعة أصنام يعبدها: الصنم الأول في الحرم، والثلاثة الأصنام الباقية في بيته، كان إذا دخل بيته وقبل أن يخرج من بيته يسجد لها ويعبدها ويدعوها من دون الله عز وجل، بل إذا أراد أن يسافر انتخب وأقرع بين هذه الآلهة الثلاثة، فاصطحب من خرجت عليه القرعة في سفره حتى لا يُحرم من الشرك في هذه الرحلة.

قال: [(دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصباً، فجعل يطعنها بعود كان بيده، ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:٨١]، ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ:٤٩]) زاد ابن أبي عمر: يوم الفتح].

يعني: دخل مكة يوم الفتح.

قال: [وحدثناه حسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق -وهو ابن همام الصنعاني - أخبرنا الثوري عن ابن أبي نجيح] فكأن السفيانين رويا عن ابن أبي نجيح، في الرواية الأولى سفيان بن عيينة وفي الرواية الثانية سفيان الثوري.

[بهذا الإسناد إلى قوله: {زَهُوقًا} [الإسراء:٨١] ولم يذكر الآية الأخرى، وقال بدل (نصباً): صنماً].

أنتم تعلمون أن أعظم أوجه الشرك عبادة الأصنام من دون الله عز وجل، ولذلك الذي صنعه إخواننا في طالبان من تكسير ذاك الصنم (بوذا) كان من أعظم الأعمال التي قاموا بها، بل هي من أعلى مظاهر التوحيد التي قدّمتها حكومة طالبان للعالم كله، أنهم كفوا أهل الشرك عن شركهم خاصة في بلادهم التي هي تحت سلطانهم.

إذاً: هم قوم لهم الإمارة ولهم الرياسة في هذه البقعة من الأرض، ويأتي الناس من هنا وهناك ليشركوا بالله تعالى على أرض هؤلاء الموحدين، فكان من أوجب الواجبات الشرعية عليهم أن يتخلصوا من هذه الشركيات، كما أنهم تخلصوا من تلك القبور التي كانت تعبد من دون الله عز وجل، كما أنهم كذلك قاموا بحرق جميع حقول المخدرات والحشيش والأفيون وغير ذلك، فكلها مظاهر تدل على أن هؤلاء كانوا على النهج السديد القويم.

فالذي يغلب على ظني أنه لا يحب هؤلاء إلا مؤمن، ولا يُبغضهم إلا منافق أو جاهل.

يعني: أقل أحواله أنه جاهل بأحوال هؤلاء، أما إذا كان عالماً بأنهم كانوا قائمين على الحق وهو مع هذا يُبغضهم فلا أقل من كونه منافقاً.

ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بُغض الأنصار) فهذا الحب والبُغض اللذان هما من علامات الإيمان أو النفاق للأنصار إنما مرده إلى حب الأنصار؛ لأنهم نصروا الله ورسوله، فإذا كان هؤلاء في أفغانستان قد نصروا الله تعالى ورسوله، وعملوا بالشرع بالليل والنهار، وأفنوا حياتهم في سبيل إعلاء كلمة التوحيد فإن مبغضهم منافق.