للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رواية ثلاثة من أبناء سعد عن أبيهم سعد حديث الوصية بالثلث]

قال: [وحدثنا محمد بن أبي عمر المكي حدثنا الثقفي -وهو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي - عن أيوب السختياني عن عمرو بن سعيد عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن ثلاثة من ولد سعد].

بعض أهل العلم أخطأ فقال: هذا إسناد منقطع، بل هو غير منقطع، لكن لو قال: إسناد ضعيف لجهالة الراوي فهناك فرق كبير جداً بين قوله: إسناد ضعيف لجهالة الراوي، وإسناد ضعيف للإرسال أو الانقطاع، أما قول حميد: عن ثلاثة من ولد سعد أعظم ما يقال في هذا: أن هذا إسناد فيه رجال مجهولون، ولا يعرف من هم؟ والراجح أن حميداً إنما يروي عن عامر وعن مصعب، كما أن حميداً من كبار التابعين وأدرك عبد الله بن عمر.

ثبت أنه عندما ظهر معبد الجهني بالبصرة قال حميد بن عبد الرحمن الحميري: أتيت أنا وصاحبي إلى مكة حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو وفق لنا أحد من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام نسأله عما كان في البصرة، فوفق لنا عبد الله بن عمر، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي.

وصاحبه هو يحيى بن يعمر البصري.

قال: فظننت أنه سيكل الكلام إليّ، فقلت: أبا عبد الرحمن! إن قوماً قِبلنا -أي بالبصرة- يتقفرون العلم، وفي رواية: يتصغرون العلم -يعني: يطلبون دقيق المسائل- ويقرءون القرآن، يقولون: لا قدر، وأن الأمر أنف، أي: أن الله لا يعلم شيئاً إلا إذا كان، أما قبل وقوعه فإنه لا يعلمه سبحانه وتعالى.

قال عبد الله بن عمر: إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، وهذا كلام ابن عمر تكفير لغلاة القدرية الذين ينكرون القدر وينكرون أعظم مرتبة من مراتبه وهي مرتبة علم الله عز وجل؛ ولذلك قال النووي عليه رحمة الله في شرح هذا الحديث: وهذا منه -أي من عبد الله بن عمر - إيذان بتكفير هؤلاء، أي: إيذان بأن من أنكر مرتبة العلم لله عز وجل وأن الله تعالى علم ما كان وما يكون وما سيكون، وأنه لا يخفى عليه شيء، وأن علمه هو العلم المطلق الذي لم يحد بحد، وأنه صفة لازمة لله عز وجل لا تنفك عنه، وأن الله تعالى اتصف به أولاً وآخراً، وأن العلم صفة من صفاته ينبغي إثباتها لله على جهة الكمال المطلق الذي يليق بالله عز وجل، من أنكر ذلك فقد كفر.

فلما أنكر هؤلاء ذلك ما اغتر عبد الله بن عمر بكثرة قراءتهم للقرآن ولا بتحريهم لدقائق المسائل في الدين، وإنما أطلق الحكم بتكفيرهم مباشرة؛ لأنهم أنكروا معلوماً لله عز وجل واجباً له بالضرورة في عقيدة كل موحّد، فلما كان منهم إنكار ذلك كفّرهم عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه.

فقول حميد: عن ثلاثة من ولد سعد، هذا أمر لا يضر بصحة الحديث، فقد ورد هذا الحديث من طريق عامر، وقد ورد من طريق مصعب وغيرهما، فهو ثابت في كل الأحوال، كما ثبت الحديث السابق حديث عبد الله بن عمر من طريق أسامة بن زيد المكي، ونحن قلنا: إن أسامة ضعيف، لكن جاء على سبيل الاستئناس، لا على سبيل التأصيل والاستشهاد.

مثلاً لو قال الراوي: يقول سفيان عن رجل، من هذا الرجل؟ لا ندري، فهو كذلك ضعيف، ولو قال الراوي: حدثني أهل مكة عن فلان، فالحديث حاله ضعيف؛ لأنه يعم أهل مكة، وهذا لا عبرة به في ميزان العدول، فلابد من التعيين، ولو صرح وقال: حدثني أهل مكة فيهم الحميدي لكفى؛ لأن الحميدي إمام من أئمة المسلمين وعلم من أعلامهم وسيد الحفاظ في زمانه، فلو لم يحدث إلا هو لكفى، لكن لو قال في زمن الحميدي: حدثنا أهل البصرة ولم يعيّن لقلت: هذا الحديث ضعيف.

ولو قال: حدثني الثقة، ففيه نزاع بين أهل العلم، فربما يكون ثقة عنده، وضعيفاً عند غيره، بل ربما يكون معروفاً بالتساهل، وربما يكون شرط على نفسه أن يقول: لو قلت: حدثني الثقة فإنما هو فلان، فلو تحرينا ذلك وجدناه لا يخطئ ذلك لكان الأولى حمل هذا التوثيق على فلان بعينه الذي ذكره، وإن وجدنا مع التحري والاستقصاء أنه يقول: حدثني الثقة وقال -مثلاً-: إذا قلت: حدثني الثقة فإنما هو سفيان بن عيينة فهو يروي عن سفيان وعن غير سفيان من الضعفاء ويقول: حدثني الثقة، فلو كان كذلك لم يلتزم ما شرط فالأصل أن ذلك ينظر فيه.

قال حميد: [عن ثلاثة من ولد سعد كلهم يحدث عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد يعوده بمكة فبكى قال: ما ي