يعني: باب جواز التقصير، بل الاستحباب للمعتمر الذي يريد التمتع أن يقصر دون أن يحلق، ويحلق في يوم الكمال والتمام وهو يوم النحر.
قال: [عن ابن عباس قال: (قال لي معاوية: أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص؟ فقلت له: لا أعلم هذا إلا حجة عليك)].
قال ابن عباس: إن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال: قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة، أو رأيته يقصر عنه بمشقص وهو على المروة.
هذا الحديث فيه جواز الاقتصار على التقصير وإن كان الحلق أفضل، وسواء في ذلك الحاج والمعتمر؛ إلا أنه يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج؛ ليقع الحلق في أكمل العبادتين.
وفيه: أنه يستحب أن يكون تقصير المعتمر أو حلقه عند المروة؛ لأنها موضع تحلله كما قلنا من قبل، وهذا الحديث محمول على أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة لا في عمرة حجة الوداع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقصر في عمرة الوداع، وإنما طاف وسعى فقط، ثم انطلق بعد ذلك إلى منى، وحلق في يوم العاشر؛ لأن القارن لا يلزمه التقصير ولا الحلق من عمرته، لأنه قرن بين المنسكين الحج والعمرة، فلا يلزمه الحلق في عمرته أو التقصير، وإنما يلزمه الحلق أو التقصير في حجه.
قال: وهذا الحديث محمول على أنه قصر عن النبي عليه الصلاة والسلام في عمرة الجعرانة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع كان قارناً، وثبت أنه عليه الصلاة والسلام حلق بمنى، وفرق أبو طلحة شعره بين الناس، فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضاً على عمرة القضاء؛ لأن عمرة القضاء هذه كانت في سنة سبع من الهجرة، ومعاوية لم يكن أسلم في هذا العام، وإنما أسلم في العام الثامن.
يعني: بعد ذلك بعام، والله أعلم.
قال أبو سعيد الخدري:(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخاً -هذا كان في حجة الوداع- فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة، إلا من ساق الهدي، فلما كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج) أي: من بيوت مكة.