[شرح حديث: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب)]
[قال: حدثنا محمد بن أبي عمر المكي حدثنا عبد الوهاب -أي: ابن عبد المجيد الثقفي عن أيوب وهو أيوب بن أبي تميمة السختياني البصري وأبو تميمة اسمه كيسان السختياني البصري لكن غلبت عليه الكنية- عن محمد بن سيرين البصري عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب) يعني: تتحقق كفلق الصبح.
أما قوله: إذا اقترب الزمان فهو محل خلاف.
فمنهم من قال: معنى اقتراب الزمان.
أي: اقتراب الساعة.
ومنهم من قال: هو أن يعتدل ليله ونهاره.
فمثلاً: في أيام الشتاء الليل أطول من النهار، وفي أيام الصيف يكون النهار أطول من الليل، وهناك أيام يعتدل فيها النهار والليل.
بمعنى: أن يكون الليل ثنتي عشرة ساعة، والنهار أيضاً ثنتي ساعة.
وفي الحقيقة الكلام هذا بعيد، وربما يكون هناك تأويل آخر.
ومعنى آخر وهو: إذا كاد الفجر أن ينفلق، وانصرم الليل وكاد النهار أن يقبل.
والرؤى في هذا التوقيت أي قُبيل الفجر أو بعد صلاة الفجر إنما فيها المبشرات كما ذكره أهل العلم في كتبهم.
فهذا هو التأويل الثالث، والذي يترجّح مما سبق هو: إذا اقتربت الساعة.
قال: (وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً) أي: أن أحسنكم رؤيا أحسنكم حديثاً، ولذلك فإن اهتماماتك في اليقظة تظهر عليك في الرؤيا.
أي: حينما ننظر في الإمام البخاري فقد كان العلم يجري في دمه حتى ما يترك عرقاً ولا مفصلاً إلا ويجري فيه، ولذلك كان يقول: كنت أستيقظ من النوم في الليلة عشرين مرة، فكان حين ينام يغفو غفوات، ومن قبله كان يفعل ذلك عمر رضي الله عنه، حتى أشفق الصحابة على عمر فقال: إذا نمت بالليل ضيّعت حظي.
أي: مع الله عز وجل، وإذا نمت بالنهار ضيّعت الرعية، فكان يغفو غفوات تارة في النهار بالقيلولة، وتارة في شيء يسير جداً في الليل.
فالإمام البخاري يقول: كنت أستيقظ في الليلة الواحدة أكثر من عشرين مرة، فيوقد السراج ويسجل الخاطرة.
والخاطرة بمعنى فائدة أو نكتة حديثية أو فقهية أو شيء من هذا، وهذا يدل على أنه لم يكن يهنأ بالنوم.
فاهتماماتك تظهر عليك بالليل، فالذي يهتم بشرب الخمر -عياذاً بالله- يرى في نومه أنه يشرب الخمر، والذي يهتم بقراءة القرآن وطلب العلم وغير ذلك يرى أنه جالس في مجالس العلم، لأن هذا اهتمامه، ولأن حياته قامت على هذا، والذي يهتم أيضاً بجمع الدنيا يرى أنه يلهث يميناً ويساراً خلف صفقة أو غير ذلك، والذي يهتم بمنظره وجماله فوق ما أمر الشرع يرى ذلك، ولذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الإرفاء كما في حديث أبي الدرداء وسلمان الفارسي: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإرفاء).
وهو: أن يرجّل الرجل شعره دائماً.
طبعاً نحن لا ننهى عن التجمّل، فالله جميل يحب الجمال، وطيب يحب الطيب، لكن لا تكن حياتك كلها أمام المرآة؛ لئلا تصاب بالوساوس.
وبعض المصلين يصاب بالوسواس في داخل الصلاة، فيتحرك حركة مستمرة، ولذلك الأئمة يقولون: الحركة الكثيرة تبطل الصلاة، واختلفوا في الكثرة، ومرجعها إلى العُرف، والأصل في المصلي أن يقف بإخبات وذل وخضوع لله! وبعض المصلين في السعودية يكثرون من الحركة في الصلاة ويقولون: هذه حركة قليلة؛ لأن الشعب كله هكذا، فهذا مما عمت به البلوى.
أما في غير السعودية فإننا نتجرأ على الحكم بإبطال صلاته وأمره بالإعادة، لكن هناك لا نتجرأ؛ لأن العلماء هناك للأسف الشديد يتأسفون لهذا، ولذلك فإن أهل العلم وطلاب العلم لا يفعلون ذلك هناك إلا الجاهل من طلاب العلم بحكم المسألة، إنما أهل العلم ينهون عن ذلك هناك ويتأسفون جداً لما يحدث.
ومما يحدث أيضاً ويزيد الطين بلة: هو الالتفات.
كنت مرة أصلي الجمعة في الحرم والازدحام شديد جداً، وضغطوني حتى انحرفت لكني بقيت أصلي مؤدياً للركوع والسجود، ثم انفلت من الصف، فالذي على شمالي دفعني دفعاً حتى انحرفت يميناً لكني على أي حال ما زلت محاظفاً على التوجه للقبلة، ثم إنني اندفعت رغماً عني فقال لي أحد المصلين: كبّر مرة أخرى يا شيخ، وكنا في الركعة الثانية فاستمريت في صلاتي حتى سلمت مع الإمام، فقال لي ذلك الشخص: أنت الآن يلزمك أن تصلي الظهر مرة أخرى.
قلت: يا شيخ أنا اندفعت رغماً عني ولو أن واحداً أخذني بعنقي ولف بي هذا المسجد وأنا كاره لذلك حريص ألا يكون مني ذلك فإن صلاتي صحيحة ولا يلزمني شيء.
قال: لا.
بل اذهب إلى أهل العلم.
قلت: أنت الآن تصدّق أهل العلم؟ قال: طبعاً أهل العلم كيف ننكر عليهم؟ قلت له: تعال! وذهبت إلى الشيخ علي الهندي رحمه الله، فقال لي الشيخ: لا شيء عليك وصلاتك صحيحة.
قال: كيف يا شيخ أنت تفتي هذا بذلك؟ قلت: هل تريد أن نذهب إلى شيخ آخر؟ قال: نعم.
قلت: أريد أن