للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على المعتزلة في قولهم بعدم خلق الله لأفعال العباد]

و

الجواب

على هذا الإشكال الذي ابتدعته المعتزلة بالتمييز والتفريق بين الإرادة الكونية القدرية المتعلقة بكل ما يقع في الكون من خير وشر، وأن الله تعالى أراد الشر إرادة كونية ليس لها تعلق بالمحبة والرضا، وبين الإرادة الشرعية المتعلقة بالمحبة والرضا.

يقول: إرادة كونية قدرية، وهذه الإرادة شاملة وعامة لكل ما يقع في الكون، قال الله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:١٠٧]، أي: من خير وشر.

وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥].

فهذه إرادة كونية، فالله سبحانه وتعالى قال: ((فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ))، فهو يريد الهداية ويأمر بها، وهي إرادة شرعية، وقال: ((وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ))، وهذه الإرادة إرادة كونية قدرية، ومعنى أراده أي: أن الله عز وجل علم أن العبد سيختار الضلال على الهداية، كما قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:١٧].

فهم الذين استحبوا واختاروا العمى على الهدى، والله عز وجل علم أولاً وأزلاً أن هؤلاء القوم سيختارون الضلال على الهدى ويفعلونه، فعلمه سابقاً ثم كتبه في اللوح المحفوظ.

فالله سبحانه وتعالى خلق الشر كما خلق الخير، بمعنى: أنه أوجده وشاءه وأراده إرادة كونية قدرية، بخلاف الإرادة الشرعية.

قال: ولكنه ليس من صفاته، أي: هذا الشر ليس من صفات الله عز وجل، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (والشر ليس إليك)، أي: ليس من صفات الباري سبحانه وتعالى.

وهو لا يدخل في أفعاله، وإنما يدخل في مفعولاته بطريق العموم، كما في قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:١ - ٢].

فقد خلق الشر، وأمر بالاستعاذة منه، فالخير بيديه والشر ليس إليه.

ونسأل الذين ينكرون خلق الله لأفعال العباد لهذه الشبهة سؤالاً: من الذي خلق إبليس وهو رأس الشر؟ وهم لا يترددون في أن الله عز وجل خلق إبليس، فالله خالق كل شيء من خير ومن شر، وإذا أنكروا أن الله تعالى خلق إبليس فقد كفروا وخرجوا من الملة، وإذا قالوا: إن الله تعالى هو الذي خلق إبليس قلنا لهم: نردكم إلى قولكم وإنكاركم بأن الله تعالى خلق الشر كذلك؛ لأنه خلق رأس الشر، وهو إبليس عليه لعنة الله تبارك وتعالى.