[ذكر حجبة الجنة وخزانها]
عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين من ماله ابتدرته حجبة الجنة).
قوله: (من أنفق زوجين) أي: فرسين، أو بعيرين، أو خزانتين من ماله، المهم أنه ينفق زوجين من المال، وكذلك الولد، وانظر إلى تصور الجهاد في نظر الأمة الآن، أوفي نظر كثير من الأمة الآن، فالجهاد عندهم خسارة، وتدمير، وتشريد، وتقتيل، وإراقة للدماء، ولا يرون في الجهاد أي فضل البتة، وينظرون إليه على أنه شر مستطير، فيقبلون الهوان والذل، وأن يعيشوا تحت أقدام اليهود والنصارى، ولا يقبلون أن يضحوا بأبنائهم وشبابهم في سبيل الله عز وجل.
إن المجاهد عند الله له ما ليس لأحد، ولا يفوق الشهيد عند الله أحد إلا الأنبياء والمرسلون، وأما أن نعتبر أن الجهاد في سبيل الله خسارة في العدد والأرواح وغير ذلك، فهذا تصور في قمة الباطل، والسفه والغفلة عن شرع الله عز وجل.
قوله: (ابتدرته حجبة الجنة) يعني: تصور أنك تقول لابنك: يا ابني البس لأمتك وانطلق إلى الجهاد في سبيل الله، ويا ليت لا ترجع أيضاً، فهذا شيء عجيب جداً، وقد كان السلف رضي الله عنهم يفعلون ذلك، وكانت المرأة لا أقول الرجل إذا أرسلت ولدها وأتاها آت بعد انتهاء الغزو تقول: أأتيت مبشراً ومهنئاً، أم أتيت بخبر؟ فإذا قال: ما البشرى من الخبر؟ قالت: الخبر أن تخبرنا أنه قادم، والبشرى أن تخبرنا: أنه قتل في سبيل الله، فتصور المرأة تفرق بين الخبر والبشرى، وهي لا تريد الخبر وإنما تريد البشرى! فحينئذ ينبغي للأمة أن تغير مفاهيمها وإلا فستزداد ذلاً، وهواناً، وانكساراً، وتعلو نعال اليهود على هاماتها، فلابد من التضحية، والفداء، وأنه لا سبيل قط إلى عز هذه الأمة بعد ذلها، ولا إلى رفعتها بعد خستها إلا بالجهاد في سبيل الله أبداً.
وقال عليه الصلاة والسلام: (وما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة من أولادهما لم يبلغوا الحنث إلا غفر الله لهم)، وفي رواية: (ما من مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعونه إلى ما عنده) أي: كلهم يقول: تعال عندي.
وعن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً: (ما من مسلم ينفق من ماله زوجين في سبيل الله إلا دعته حجبة الجنة: ألا هلم، ألا هلم) أي: تعال عندي.
وقد جاء من تفسير الزوجين: إن كانوا رجالاً فرجلان، وإن كانت خيلاً ففرسان، وإذا كانت إبلاً فبعيران، حتى عد أصناف المال كلها.
وعند البخاري قال: (من أنفق زوجين من أي شيء من الأشياء)، فليحرص كل واحد منا أنه ينفق نوعين دائماً.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله عز وجل دعته حجبة الجنة، يقولون: أي فل، أي فل) يعني: يا فلان، فكلمة أي فل: ترخيم لكلمة يا فلان، فينادون عليه بالترخيم والتفخيم (أي فل! هلم هذا خير) يعني: تعال عندي فالذي عندي خير.
(قال أبو بكر: يا رسول الله! هذا الذي لا توى عليه) والتوى: هي الحسرة، والندامة، والخسارة.
فـ أبو بكر لما سمع هذا من النبي عليه الصلاة والسلام أن الجنة نفسها تناديه وتقول له: (تعال هذا خير، قال: والله يا رسول الله ليس على هذا ندامة)، أي: ليس على من أنفق زوجين ندامة.
فقال: (أما إني أرجو أن تدعوك حجبة الجنة كلها يا أبا بكر) يعني: إني لأرجو أن كل حجبة الجنة يدعونك فتدخل من جميع الأبواب.
وعن أبي هريرة مرفوعاً: (من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؟).
يعني: يا رسول الله! هل ممكن أحد يدعى من الأبواب كلها؛ لأنه صاحب صلاة، وصيام، وجهاد وغير ذلك، فهل يمكن أن يدعى من جميع الأبواب؟ (فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم، وإني لأرجو أن تدعى يا أبا بكر منها جميعاً)، وهذا الحديث عند البخاري.