[شرح حديث: (لا تؤذي امرأة زوجها إلا قالت زوجته من الحور العين)]
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل، يوشك أن يفارقك إلينا)، هذه بشارة عظيمة جداً لأهل الإيمان والإسلام، ولأهل التوحيد ممن يدخل الجنة بإذن الله، وعامة أهل الإسلام يتزوجون من الحور العين اثنتين، أما الشهداء فيتزوجون اثنتين وسبعين حورية، فالشهيد له منزلة خاصة.
وزوجة المؤمن إذا دخلت الجنة فإنه يتزوجها، فإن كان يبغضها فإن الله تعالى قال: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الأعراف:٤٣]، أما لو دخلت هي الجنة وهو لم يدخل فإن الله تعالى يخلق لها زوجاً.
قال عليه الصلاة والسلام: (لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين) يعني: غضباً لزوجها الذي سيكون في الآخرة.
(لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا)، يعني: هو ضيف يوشك أن يرحل بأن يموت فيأتي إلينا فيتنعم بنعيم الجنة وإن كان في القبر، كما جاء في حديث البراء رضي الله عنه في الحديث الطويل: (وإذا كان من أهل الجنة قيل: افرشوا له فرشاً من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من ريحها وطيبها، ونعيمها)، ويتمتع بالنظر إليها، خلافاً لمن كان من أهل النار.
وكثير من الزوجات ينسين هذا، ويعتبرن إيذاء الزوج أمراً يسيراً، بل هو أمر يحول بينها وبين الجنة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (واطلعت في النار فإذا عامة أهلها النساء، فقامت إليه امرأة جزلة - أي: عاقلة- وقالت: يا رسول الله! ولم؟ قال: لأنهن يكفرن، قالت: أيكفرن بالله؟ قال: إنما يكفرن العشير)، ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا فقال: (يحسن إليكن الرجل الدهر كله فإذا بدا منه شيء -أي: في يوم من الأيام- قلتن: ما رأينا خيراً قط)، فبسبب هذه الكلمة تدخل المرأة النار وتستوجب لنفسها النار، وقد كان بإمكانها أن تسكت، أما إذا كانت ترد على زوجها الكلمة بالكلمة، والصاع بالصاع، والحجة بالحجة، فهذا بلاء عظيم جداً، كأنها تقذف بنفسها في النار، وأنا أعرف كثيرات من طالبات العلم -وللأسف الشديد- كأن طلب العلم صار للنساء بلاء عظيماً وشراً مستطيراً، تظن المرأة أنها بطلبها للعلم صارت مثل الزوج وربما فاقت عليه، فلو كان لا يحفظ القرآن وهي تحفظه تظن في نفسها أنها أفضل منه، فربما أنها تحفظ القرآن والقرآن يلعنها بالليل والنهار إذا أساءت عشرة زوجها، ولا ينفعها حفظها للقرآن حينئذ.
وأذكر أن امرأة في الإسكندرية في أواخر الثمانينيات لما خطبها أخ فاضل من أهل العلم ومن طلبة العلم وقد طلب الحديث على يد الشيخ الألباني رحمه الله، وكان من أئمة الحديث في ذلك الوقت بالشام، فلما رجع إلى الإسكندرية وخطب امرأة قرأت عليه فتح الباري من أوله إلى آخره في فترة العقد وهو ثلاثة عشر مجلداً، وكانت نبيهة جداً، فظنت أنها بلغت من العلم مبلغاً عظيماً، وهذا على أية حال شأن الجاهل، إذا تعلم شيئاً ظن أنه تعلم كل شيء، ولذلك يقول الخليل بن أحمد إمام اللغة صاحب كتاب العين: العلم ثلاثة أشبار، إذا بلغ الطالب الشبر الأول ظن أنه عالم، وإذا بلغ الشبر الثاني علم أنه لم يعلم شيئاً، وإذا بلغ الشبر الثالث علم أنه أجهل الناس.
إذاً: المتكبر هو الذي حصل على قدر يسير من العلم وظن أنه قد حاز العلم كله، وهو لا يزال على العتبة الأولى، بل ربما لم يثبت عليها، فتجد منه الغرور، والعجب، والكبر، والتعدي على أهل العلم من الكبار والمشايخ، تجد مساوئ الأخلاق في ابتداء الطلب، ولذلك يقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨].
قيل للشعبي: كيف حالك أيها العالم؟ قال: لست بعالم، إنما العالم من يخشى الله، أي: العالم حقيقة هو الذي يخشى الله، والذي يخشى الله لابد أنه يؤدي حقوق الله وحقوق العباد، أما عبد يأخذ الكتاب تحت إبطه، ويظن أنه أعلم الناس، فيضرب هذا، ويشتم ذاك، ويسب هذا، ويملأ الدنيا ضجيجاً وصياحاً، فهذا ليس بآدمي أصلاً، ولا يصح أن يكون إنساناً سوياً أو محترماً فضلاً عن أن يكون طالب علم.
هذه المرأة الاسكندرانية لما بلغت هذا المبلغ على يد زوجها قالت له قبل البناء: الذي يغلب على ظني أنك لا تستحق زوجة مثلي، إنما الذي يستحقني فلان، وذكرت له عالماً كبيراً، فلما اتصل بي تلفونياً قلت له: لو أن هذه الكلمة قيلت لي ما ترددت قط في طلاقها ولو كان لي منها مائة ولد، فطلقها؛ لأن هذه المرأة قد أظهرت وأبدت غروراً، وكبراً وعجباً من أول الأمر.
امرأة أخرى تعلمت أصول الفقه، فإذا قال لها زوجها: اعملي كوب شاي، تقول له: هذا مستحب أم واجب؟! ما هذه الخيبة؟! هل صار طلب العلم بلاءً أم ماذا؟ أنمنع النساء من طلب العلم؟ النبي عليه الصل