وإذا كان الراوي معروفاً باسم أمه وهو الغالب عليه جاز نسبته إلى أمه، مثل ابن بحينة، وهو عبد الله بن مالك وبحينة أمه، ولكنه مشهور ومعروف بنسبته لأمه، وكذلك عبد الله بن أم مكتوم، وقيل: هو عمرو بن أم مكتوم، وأم مكتوم أمه، فهو معروف بنسبته إليها، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يناديه بذلك، فدل ذلك على جواز أن يلقب الرجل بلقب وأن ينسب بنسبة لتمييزه، وهي وإن كانت في أصلها منقصة إلا أنه إذا كان الحامل عليها التمييز وبيان المصلحة فهذا أمر جائز.
وكذلك يعلى بن منية ومنية هي جدته أم أبيه.
ومعاذ بن عفراء هو معاذ بن الحارث، وعفراء أمه.
وبشير بن الخصاصية، والخصاصية أمه، وهو بشير بن معبد بن شراحيل السدوسي.
وشرحبيل بن حسنة، وحسنة أمه، وهو شرحبيل بن عبيد الله بن المطاع.
وهؤلاء المذكورون كلهم من الصحابة، ومن بعدهم منصور بن صفية، وهو منصور بن عبد الرحمن الحدبي، وصفية أمه، وكذلك إسماعيل بن علية، وعلية أمه، وغيرهم.
وقد قال الإمام أحمد بن حنبل لـ يحيى بن معين: يا أبا زكريا! بلغني أنك تقول: أخبرنا إسماعيل بن علية؟ فقال يحيى: نعم هكذا أقول، قال أحمد: فلا تقله، وقل: إسماعيل بن إبراهيم، فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه.
فقال يحيى لـ أحمد بن حنبل: قد قبلنا منك يا معلم الخير.
وقد كان الإمام يحيى بن معين أكثر تقدماً وتفنناً من أحمد في علم الرجال، وأحمد أكثر تفنناً منه في جمع الروايات، وكلاهما كان إمام زمانه، وكانوا أقراناً، وكان أحمد أكبر سناً من يحيى بن معين، حتى استنكر عبد الله ابن الإمام أحمد تبجيل أبيه لـ يحيى بن معين ذات مرة، وقد كان أحمد يقيم الليل كله، فإذا زاره يحيى بن معين ترك أحمد قيام الليل، وأقبل على يحيى وهو نائم على ظهره رافع قدميه على الحائط ويجلس عند رأسه ويقول له الإمام أحمد: ما يقول الإمام في فلان؟ ما يقول الإمام في فلان بن فلان؟ وهو أصغر منه، ولكن هذا علم، فقال له عبد الله: يا أبت! إنك تترك قيام الليل إذا زارنا هذا فلم؟ قال: يا بني! إن قيام الليل يدرك بعد، وأما فوات الفائدة من هذا فلا تدرك.
وهذا هو الأدب والتواضع في طلب العلم، فقد كان يطلب العلم ممن هو أصغر منه، ولا يرى بذلك بأساً، وقد ذكر أهل الحديث وعلماء المصطلح باباً يسمى رواية الأكابر عن الأصاغر، والآباء عن الأبناء، وهذا ليس بعيب، والعلم رزق كالطعام والشراب، فقد يجده عند من هو أعلى منه أو من هو مثله أو من هو دونه.