للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة الرجل الذي عف عن الزنا مع القدرة عليه]

قال: [وقال الآخر: (اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء)] يعني: أحببتها حباً شديداً لم أره عند رجل أحب امرأة.

[(وطلبت إليها نفسها)] أي: طلب أن يواقعها في الحرام.

[(فأبت حتى آتيها بمائة دينار)] كأنها طلبت ذلك لتعجزه عن الحصول على هذه المائة دينار وإلا فهي امرأة عفيفة حرة تأبى أن تقع في الحرام، لكن لما طلبها وتمكن منها أرادت أن تهرب من الرذيلة بهذا الشرط.

قالت: ائتني بمائة دينار.

فذهب الرجل وتمكن من المائة دينار وزيادة، لأنه أعطاها مائة دينار وعشرين ديناراً من الذهب.

[(قال: فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فتعبت حتى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلما وقعت بين رجليها)] أي: لما كنت منها كما يكون الرجل من المرأة [(قالت: يا عبد الله! اتق الله)] تذكره بالله عز وجل [(ولا تفض الخاتم إلا بحقه)] أي: بنكاح صحيح.

وهذا للدلالة على أن هذه المرأة كانت بكراً.

وقد ورد في بعض الروايات أنها كانت ثيباً أيماً.

أي: مات عنها زوجها.

والمعنى: لا يحل لك إيلاج الفرج إلا بحقه، فالخاتم هنا هو الفرج، والمراد فض بكارة البكر.

قال: [(فقمت عنها)] أي: مخافة الله عز وجل.

ولذلك العلماء يقولون: هذا الرجل أفضل الثلاثة، لأن الذي دفعه إلى ذلك هو خوف الله عز وجل، والله تعالى يقول: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:٤٦].

وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٤٠ - ٤١].

فهذا الرجل أفضلهم لخشية الله عز وجل، كما أنه ترك الذهب لهذه المرأة، فنفعه تعدى إلى الغير، وكذلك هذه المرأة كانت ابنة عمه، وفيه صلة الرحم كذلك، وأن هذه المرأة ذهبت إليه -في أحد الروايات- تطلب منه طعاماً في سنة جدب وقحط وحاجة، فهذا الرجل ترك الذهب وترك الزنا مخافة الله عز وجل، وحافظ على عرض ابنة عمه من باب صلة الرحم كذلك، كما أنه ترك كل ذلك في سنة جدب وقحط، ولو كان إنساناً نذلاً كان من الممكن أن يستغل هذا الظرف، والأنذال كثير وأنتم تعلمون ذلك، لكن هذا الرجل مع الجدب والقحط الذي تمر به البلد كلها وما نزل بابنة عمه خاصة كان بإمكانه أن يشرط أن هذا مقابل ذاك، ولكنه إنما انتهى عن كل ذلك وترك كل ذلك لله عز وجل من باب خشية الله لما قالت له فقط: اتق الله.

قال: [(فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة، ففرج الله تعالى لهم منها فرجة غير أنهم لا يستطيعون أن يخرجوا)].