للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (انصرفا نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] وهو أخو عثمان وأخو القاسم.

هم ثلاثة، وأبو بكر، أوثقهم وأعدلهم وأعلمهم وهو صاحب الكتاب العظيم المعروف بمصنف ابن أبي شيبة.

قال: [حدثنا أبو أسامة - حماد بن أسامة - عن الوليد بن جميع حدثنا أبو الطفيل - عامر بن واثلة بن الأسقع - آخر من مات من الصحابة على الإطلاق- قال: حدثنا حذيفة بن اليمان -اليمان لقب، أما أبوه فاسمه حسل أو حسيل - قال حذيفة: (ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل قال: فأخذنا كفار قريش.

قالوا: إنكم تريدون محمداً؟ فقلنا: ما نريده.

ما نريد إلا المدينة)] حينما أراد أن يخرج من مكة هو وأبوه اعترضهم كفار مكة.

قالوا: ما تريدون إلا أن تلحقوا بمحمد لتقاتلونا معه.

قالوا: ما نريد محمداً إنما نريد أن ندخل المدينة.

قال: [(فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه)] أي: إذا كنتم صادقين فيما تزعمون أنكم تريدون المدينة، ولا تريدون أن تلحقوا بمحمد وجيشه -عليه الصلاة والسلام- فأعطونا العهد والميثاق على ألا تقاتلونا مع محمد عليه الصلاة والسلام.

قال: [(فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر فقال: انصرفا.

نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم)].

قوله: (انصرفا) أي: لا تشاركانا في قتال قريش، وفاء لهم بعهدهم والتزاماً بميثاقهم، مع أنهم كفار ومشركون إلا أننا أعطينا العهد والميثاق ألا نقاتل، فيجب الوفاء والالتزام بهذا العهد، وهذا يدل على حرمة نقض العهد بغير مبرر.

أما إذا نقض صاحب العهد معنا عهده فنحن لا نطالب باحترام العهد، بل نحن في حل من العهد، فإذا عاهد اليهود المسلمين أو النصارى المسلمين أو الكفار عموماً المسلمين في دار الحرب أو في دار السلم على قطع القتال وإعطاء الأمان مدة معينة من الزمان أو مدة غير معينة؛ فحينئذ يجب على الطرفين احترام العهد والميثاق، والأصل في المسلم ألا يغدر وألا يغش؛ فإن غدر العدو فهل يلزمنا نحن بعد ذلك الغدر؟ الجواب لا، فنحن لا نغدر في كل الأحوال، وإنما الذي يأتي منا بعد نقض العهد هو الرجوع إلى الأصل الأول قبل العهد، حتى لا يقال حينما غدر اليهود فغدر المسلمون، فلا يسمى رد فعل المسلمين على غدر اليهود بغدر، وإنما بمجرد وقوع الغدر تحلل الطرفان من الميثاق والعهد، فرجع المسلمون إلى الأصل الأول قبل العهد والميثاق، فحينئذ لا يقال لرد فعل المسلمين على اليهود بعد نقض عهدهم: (قد غدروا)؛ لأن المسلم لا يغدر في كل الأحوال؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (انصرفا) أي: يا حذيفة أنت وأبوك انصرفا.

لا تقاتلا معنا؛ لأنكم أعطيتم العهد والميثاق.

ثم قال علة ذلك: (نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم).

أي: نفي لهم بعهدهم من قبلك أنت وأبيك، أما نحن فنستعين الله تعالى عليهم، وكان هذا الكلام في غزوة بدر.