[الأدلة النقلية على نفي التمثيل]
وقد استدل أهل السنة على نفي التمثيل عن الله عز وجل بالمنقول والمعقول، بل والفطرة، ومن الأدلة النقلية التي استندوا إليها قول الله تعالى -وهذا في الخبر-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١].
وهذا في التمثيل والتكييف، أي: أن الله تعالى لا يشبهه أحد من خلقه، فليس له من خلقه مثيل ولا شبيه، ولذلك قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
وتنكير شيء في سياق النفي يفيد العموم، فلذلك قال: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))، يعني: ما من شيء تذكره إلا والله تعالى مباين ومغاير له، فليس مثله شيء، ولا يشبهه شيء من خلقه.
فالآية فيها نفي صريح للتمثيل، وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥].
هذا إنشاء بمعنى الخبر، وهو استفهام بمعنى النفي يفيد التحدي، وقولك: ليس له سمي أقل بكثير من قول الله تعالى: ((هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا))؛ لأن الله تعالى استفهم بهذا استفهاماً في سياق الإنكار، وهذا السياق يفيد التحدي، فالله تعالى ليس له سمي، والقول بأن الله تعالى له سمي كذب وزور وافتراء، وهذا كله على نفي المماثلة.
وأما الطلب فقول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا} [البقرة:٢٢].
فهنا أمر الله ألا نجعل له نداً ولا شريكاً ولا مثيلاً، كما قال تعالى: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل:٧٤]، يعني: لا تقل: الله مثل فلان، أو فلان مثل الله، وقد ورد في بعض كتب الأدباء: أن أديباً دخل على تلميذ له، وكان لتلميذه ثوب واحد قديم جداً، فقال: إن فيك صفتين من صفات الله الوحدانية والقدم، وهذا تمثيل وتكييف، وكل ممثل مكيف، فهذا مثل وكيف كالذي يستهزئ بآيات الله وبكتابه وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك فقد كفر وخرج عن الملة، كما قال تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} [التحريم:٧]، وهذا لا شك أنه كافر وخارج من الملة؛ لأنه نازع الله تعالى أو وصف خلق الله بصفات الله عز وجل، فوحدانية الله عز وجل هي أعلى ما يتصف الله تعالى به من الصفات، فهو صاحب الوحدانية في الألوهية والربوبية والذات والصفات والأفعال، وغير ذلك مما يخص الله تبارك وتعالى من أسماء وصفات، فهو يقول له: إن فيك صفتين من صفات الله الوحدانية والقدم.
ولا يجوز أن يوصف الله تعالى بالقديم ولا بالقدم؛ وإنما يوصف الله تعالى بالأول والآخر والظاهر والباطن، وأما اسم القديم فهو غير ثابت لله عز وجل.
وأسماء الله تعالى توقيفية، أي: أننا نتوقف في إثبات الاسم إلى أن يأتي به الخبر الصحيح الثابت، فلا نثبت لله تعالى اسم القديم؛ لأنه لم يرد إلينا في النصوص.
قال: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل:٧٤].
فمن مثل الله بخلقه فقد كذب الخبر وعصى الأمر، ولهذا أطلق بعض السلف القول بتكفير من مثل الله بخلقه، ومن هؤلاء الأئمة نعيم بن حماد الخزاعي، وهو إمام جليل من أئمة أهل السنة، عاش في عصر الإمام أحمد بن حنبل، وكان شيخ البخاري، وقد تعرض لفتنة خلق القرآن، ووشى به إلى المعتصم أحمد بن أبي دؤاد عالم السلطان في ذلك الزمان، وهو من المعتزلة، وكان المعتزلة يقولون بخلق القرآن، فوشى أحمد بن أبي دؤاد إلى المعتصم بالإمام أحمد ونعيم بن حماد وغيرهما من أهل العلم من السلف، فعذبهم ونكل بهم نكالاً عظيماً، وكان من بين من نكل بهم نعيم بن حماد رحمه الله تبارك وتعالى، فقد سجنه المعتصم، حتى مات نعيم بن حماد في سجنه، فألقي في حفرة، ولم يكفن ولم يغسل ولم يصل عليه، رضي الله تبارك وتعالى عنه.
فأهل العلم تحملوا المشاق العظام في سبيل أن يوصلوا إلينا هذا الدين، ولولا أن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها لقلنا: إن هؤلاء الناس تكلفوا فوق وسعهم.
قال الإمام نعيم بن حماد: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله تعالى به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهاً.
يقول الذهبي بعد أن ذكر هذا القول في سير أعلام النبلاء في ترجمة نعيم بن حماد: هذا الكلام حق، نعوذ بالله من التشبيه، ومن إنكار أحاديث الصفات، فما ينكر الثابت منها من فقه، وإنما بعد الإيمان بها هناك مقامان مذمومان، أي: بعد أن تؤمن بصفات الله عز وجل اعلم أن هناك مقامين مذمومين.
المقام الأول: تأويلها وصرفها عن موضوع الخطاب، أي: تأويل الصفة، وهذا التأويل هو التحريف.
فالمقام المذموم الأول هو تحريف الصفة وصرفها عن موضوع الخطاب، مع أن السلف لم يؤولوا ولم يحرفوا ألفاظها عن مواضعها، بل آمنوا بها وأمروها كما جاءت.
وأما المقام المذموم الثاني: فهو المبالغة في إثباتها، أي: لا نبالغ في إثبات الصفات التي أثبتها الله تعا