للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقسام التعطيل]

والتعطيل أنواع وأقسام، الأول: تعطيل المصنوع عن صانعه، فلو قال شخص: إن هذا الرجل خلقته وصنعته الطبيعة لكنا قد عطلنا هذا المصنوع الحادث عن الله عز وجل الذي أحدثه وخلقه وصنعه.

وهذا النوع لم يكن عند مشركي العرب، فإنهم كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، وبأن الله تعالى هو الخالق المالك المدبر الرازق، وغير ذلك من صفات الله وأفعاله التي تدل على ربوبيته سبحانه وتعالى.

الثاني: تعطيل الصانع سبحانه وتعالى عن كماله المقدس.

والصانع ليس من أسماء الله عز وجل، ولكن العلماء من أهل السنة والجماعة تناولوا هذا الاسم في حق الله عز وجل من غير نسبته إلى الله عز وجل.

قال: (تعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وأوصافه وأفعاله).

فلو قلنا: إن الله تعالى لا يتصف بالرحمة، أو أنه رحيم بلا رحمة، وعليم بلا علم، وسميع بلا سمع، وبصير بلا بصر لكنا قد عطلنا الله عز وجل عن صفاته.

وهذا النوع هو الذي يتأوله المتأولون، وهم محرفون لا مؤولون.

الثالث: تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد، وهو صرف العبادة إلى غير الله عز وجل، ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود -وزعيمهم ابن عربي - الذين يقولون: ما ثم خالق ومخلوق، بل الخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق.

ويقولون: إن الحق المنزه هو عين الخلق المشبه، أي: إن الحق سبحانه وتعالى المنزه هو ذات وعين الخلق المشبه المرئي.

ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته، وأنه لم يكن له أول، وليس له آخر.

وهذه الأوصاف إنما تنطبق على الله عز وجل، وليس على كل حادث، والله عز وجل هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وليس دونه ولا فوقه شيء.

وهذا النوع هو نوع شرك الملاحدة الذين يعطلون أسماء الله تعالى وصفاته.

قال: (وأنه لم يكن معدوماً من الأصل، بل لم يزل ولا يزال)، أي: هذه الدنيا كلها بأحداثها وبأجرامها والسماوات والأرضين أبدية وأزلية، لم يكن لها أول، وليس لها انتهاء.

وهذا كلام في غاية البطلان.

قال: والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها يسمونها بالعقول والنفوس، ومن هذا شرك من عطل أسماء الرب تعالى وأوصافه وأفعاله من غلاة الجهمية والقرامطة، فلم يثبتوا له اسماً ولا صفة -يعني: عطلوا الأسماء والصفات عن ذات الإله سبحانه وتعالى- بل جعلوا المخلوق أكمل منه، إذ كمال الذات بأسمائها وصفاتها، أي: أن الذين يعطلون الأسماء والصفات عن الله عز وجل من الجهمية والقرامطة وغيرهم إنما يرفعون المخلوق على الخالق؛ لأنهم لما عطلوا الأسماء والصفات للمخلوق، فيكونون بذلك قد عطلوا أسماء الله تعالى وصفاته وأثبتوها للمخلوق، وبذلك يكونون قد رفعوا المخلوق على الخالق.

ولا شك أن من عطل جحوداً ونكراناً ليس من أهل السنة.