[تواضع الصديق رضي الله عنه في طلب العلم]
قال: [عن يزيد بن أبي حبيب المصري، عن أبي الخير أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: (إن أبا بكر الصديق قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني يا رسول الله دعاءً أدعو به في صلاتي وفي بيتي)].
هذا الدعاء إما أن يحمل على أنه في الصلاة في المسجد -أي: في صلاة الفريضة- وفي بيته في صلاة النافلة، وإما أن يدل هذا الحديث على استحباب هذا الدعاء في الصلاة وفي غيرها، وأشد استحباباً أن يكون في الصلاة وفي البيت.
وانظروا إلى تواضع وأدب أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقد بلغ من السن ما بلغ، ومن المنزلة ما بلغ، ومع هذا يأتي بلغة صبي الكتاب بين يدي شيخه ويقول: (يا رسول الله! علمني).
ولم يستأنف ولم يستنكف عن طلب العلم، مع علو منزلته وعظيم شرفه، ومع ذلك فقد طلب من النبي عليه الصلاة والسلام في حضرة عبد الله بن عمرو بن العاص، وأنتم تعلمون أن عبد الله بن عمرو من صغار الصحابة، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه أكبر الصحابة، ولم يستنكف أبو بكر في هذا الموطن أن يقول أمام طفل من أطفال الصحابة: (يا رسول الله! علمني).
ما قال له: أنا والله كنت أريدك منفرداً حتى لا يعلم هذا الطفل الصغير، لا؛ لأنه لا يتعلم العلم مستح ولا متكبر، وهذا الأثر ذكره الإمام البخاري في كتاب العلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
فالعلم إنما يحول بينك وبينه الكبر والحياء؛ ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.
والمقصود: حياء المرأة الطبيعي الذي يجعل المرأة تستحي دائماً من كل شيء، وأن تسأل عن أي شيء، لكن نساء الأنصار بالذات علمن النساء المهاجرات أنه لا حياء في طلب العلم.
وهذا يرد به على القول المشهور المعروف: لا حياء في الدين.
فهذا القول خطأ.
والصواب: أن الدين كله حياء وصواب ذلك: أنه لا حياء في الطلب؛ لأن الحياء في الطلب ليس حياءً حقيقياً، وإنما هو عجز وضعف، فالحياء كل الحياء أن تطلب العلم، وتستحي من نفسك وأنت جاهل.
قال: [(إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لرسول الله عليه الصلاة والسلام: علمني يا رسول الله دعاءً أدعو به في صلاتي وفي بيتي).
ثم ذكر بمثل حديث الليث، غير أنه قال: (ظلماً كثيراً)].
ومعظم الروايات التي روي بها هذا الحديث إنما أفادت لفظ: (كثيراً) بدل (كبيراً).