[أمر النبي لثمامة بأداء عمرته وما فيه من إغاظة المشركين]
قال: (وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره النبي عليه الصلاة والسلام وأمره أن يعتمر) يعني: بشره بما حصل له من الخير العظيم بسبب الإسلام، وأن ما أنت فيه الآن لا يمكن أن يعدله ما كنت عليه آنفاً من إرادة الخير بإدراك العمرة، وأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأما أمره له بالعمرة فاستحباب، حتى لا يأخذ أحد بأن العمرة واجبة، وحمل الأمر هنا على أنه أمر استحباب.
والمسألة محل نزاع بين أهل العلم: هل العمرة مستحبة أم واجبة؟ فالجمهور: على استحبابها، وغيرهم على وجوبها أخذاً من هذا الحديث، ومن قول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٦] ((وَأَتِمُّوا الْحَجَّ)) وعطف عليه العمرة، والمعلوم أن الحج فرض.
ولكن الجمهور ردوا على من قال بظاهر هذه الآية من وجوب العمرة.
قالوا: المقصود من قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} أي: إذا تلبستم بهما، فصار إتمامها واجباً.
أي: إذا تلبست بنافلة صار إتمامها واجباً إلا ما خرج بالنص، كقوله عليه الصلاة والسلام: (الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر) ولم يرد هذا التخيير في عبادة من نوافل العبادات غير الصيام، فتبيّن أن من دخل في صلاة نافلة وجب عليه إتمامها ولا يجب عليه إنشاؤها.
مثلاً: سنة العشاء أو سنة المغرب إذا لم أصلها فإنه ذهب عني أجرها ولا يجب عليّ أداؤها، لكني لو أحرمت بها وجب عليّ إتمامها.
فكذلك قول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٦] التأويل الأول: إذا لبّثتم بالحج والعمرة وأحرمتم بهما وجب إتمامهما.
هذا معنى الآية.
والمعنى الثاني: أي أخلصوا العبادة لله تعالى في الحج والعمرة؛ لأنه قال: لله، فليس ظاهر الآية عطف العمرة على الحج في الوجوب، وهذا الذي رد به الجمهور على من قال بأن العمرة واجبة.
فالأمر بالعمرة استحباب؛ لأن العمرة مستحبة في كل وقت لا سيما من هذا الشريف المطاع إذا أسلم، وجاء مراغماً لأهل مكة.
قال: (فطاف وسعى وأظهر إسلامه وأغاظهم بذلك).
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.