للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رواية ابن عمر لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالآباء]

قال: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة]، وهو عبد الله بن إبراهيم بن أبي شيبة الكوفي، وهو إمام كبير، صاحب المصنف المعروف بمصنف ابن أبي شيبة.

قال: [وعمرو الناقد وزهير بن حرب -وهو أبو خيثمة النسائي نزيل بغداد- قالوا -أي: هؤلاء الثلاثة، عمرو وأبو بكر وزهير - حدثنا سفيان بن عيينة -وهو الإمام الكبير أبو محمد - عن الزهري عن سالم عن أبيه].

ولو جمعنا هذا الإسناد إلى الأسانيد السابقة فسيكون مفترق الطرق من بعد ابن شهاب؛ لأن ابن شهاب في كل الأسانيد التي مضت موجود، ففي الإسناد الأول يروي يونس عن الزهري، وفي الإسناد الثاني يروي معمر وعُقيل عن الزهري، وفي هذا الإسناد يروي سفيان بن عيينة عن الزهري، فالرواة عن الزهري أربعة، وهذا الإسناد جعل الحديث عن ابن عمر، وهذه نكتة لطيفة جداً، فلو أردنا أن نكشف عن هذا الحديث في تحفة الأشراف للإمام المزي الذي يذكر فيه أسانيد الكتب الستة لوجدناه في مسند عمر بن الخطاب، وسنجد هذا الإسناد في مسند ولده عبد الله بن عمر؛ لأن عبد الله بن عمر في الإسناد الأول قال: سمعت عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا رواه عمر عن النبي عليه الصلاة والسلام، وفي هذا الإسناد قال: عن سالم عن أبيه - عبد الله بن عمر -قال: (سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر يحلف بأبيه).

فجعله من كلام عبد الله بن عمر، ومن مسانيده.

قال: [بمثل رواية يونس ومعمر]، أي: بمثل رواية يونس في الإسناد الأول، ورواية معمر في الإسناد الثاني، مع أن رواية معمر جاءت في إسناد واحد مع رواية عُقيل، ولكنه ألف في هذه الرواية الثالثة بين الرواية الأولى والرواية الثانية.

قال: [وحدثنا قتيبة بن سعيد -وهو الثقفي من ثقيف- حدثنا ليث -وهو الليث بن سعد - وحدثنا محمد بن رمح واللفظ له]، وكلمة واللفظ له يدل على أن هذا ليس سياق قتيبة بن سعيد، فالإمام مسلم له شيخان في هذا الحديث: الأول: قتيبة، والثاني: ابن رمح، ولكنه لما قال بعد ابن رمح: واللفظ له، أي: هذا السياق هو من رواية ابن رمح لا من رواية قتيبة، ولكنه ذكر قتيبة في هذا الموضع لأن روايته نحو رواية ابن رمح وليست مثلها تماماً، ولو كانت مثلها لم يكن لقوله (واللفظ له) معنى.

قال: [أخبرنا الليث عن نافع عن عبد الله]، ونافع هو المدني الفقيه، مولى عبد الله بن عمر، الإمام الكبير.

قال: [عن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب -أي: في جماعة وفوج في طريق- وعمر يحلف بأبيه، فناداهم -ولم يقل: فناداه- رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله -أي: بالله أو بأسمائه وصفاته- أو ليصمت) وفي رواية: (أو ليسكت).

والمعنى واحد.

وأما قوله: (ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)، فهذه كلها توكيدات، فـ (ألا) من أساليب التوكيد، و (إنَّ) من أساليب التوكيد، وكون هذا التحريم أو النهي من الله عز وجل صورة من صور التوكيد.

وقال: (إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)، ولم يقل: احلفوا بالله، وقال: (فمن كان)، أي: فمن اضطر للحلف فليكن يمينه بأسماء الله وصفاته.