[سبب فصل الإمام مسلم بين رواية أبي الطاهر ورواية حرملة بن يحيى]
قال:[وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح -وهو المصري- حدثنا ابن وهب]، وهو أبو محمد عبد الله بن وهب المصري القرشي مولاهم، يعني: أنه مولى لقريش، وهو مصري، وهو فقيه ثقة حافظ عادل، وتولى القضاء في مصر في زمانه.
قال:[عن يونس]، وإذا روى ابن وهب عن يونس فـ يونس هو يونس بن يزيد الأيلي، ولو روى عن عمرو فهو عمرو بن الحارث المصري.
ثم وضع الإمام مسلم بعد يونس حرف ح، وهو اختصار لكلمة الحديث، كما لو أنك استشهدت بآية طويلة، فإنك تذكر طرف الآية الأول ثم تقول: الآية، يعني: كأنك أردت إكمال الآية، وإنما منعك من إكمال الآية علم المستمع لها، أو بمحل الشاهد فيها، فهو أراد بقوله هنا: ح، أي: الحديث بتمامه، أو أنها بمعنى اختصار الحديث، أو تحويل الإسناد، يعني: أن الإسناد إلى هنا سيتحول، ويبدأ إسناد جديد للإمام مسلم، وبعد حرف الحاء لابد أنك تجد حرف الواو.
قال:[وحدثني حرملة بن يحيى]، والقائل وحدثني مسلم، وليس يونس بن يزيد، وإنما هو مسلم ليبدأ إسناداً جديداً، فكأن حرملة بن يحيى التجيبي متابع لـ أبي الطاهر بن السرح، وكأن مسلماً أراد أن يقول: حدثني أبو الطاهر وحرملة، هذا التقدير، ولكنه لم يقل ذلك، لأن أبا الطاهر قال في الإسناد الأول: حدثنا ابن وهب، وأما حرملة بن يحيى التجيبي فقال: أخبرنا ابن وهب، ولا يزال أهل الحديث يفرقون بين أداة التحمل حدثنا، وأداة التحمل أخبرنا، وهما وإن كانت كل واحدة منهما تفيد السماع إلا أن إفادة السماع من حدثنا أقوى من أخبرنا، كما أن حدثنا تستخدم عند المحدثين في السماع مشافهة، بخلاف أخبرنا فإنها تستخدم عند المحدثين في السماع مشافهة وإجازة، فلما اختلف أسلوب التحمل ما كان يحل لـ مسلم أن يجمع بينهما، فهو بإمكانه أن يقول: حدثني فلان وفلان، ولكنه ليس بإمكانه أن يتصرف في رواية أبي الطاهر ورواية حرملة ويقول: حدثني فلان وفلان؛ لأن أبا الطاهر قال: حدثنا ابن وهب، وأما حرملة فقال: أخبرنا ابن وهب، وكان بإمكانه أن يقول هذا، ولكن هذا الأمر يطول؛ ولذلك ساقه على هذا النسق.
وحرملة بن يحيى هو المعروف بـ التجيبي بكسر الجيم، وهو مصري، وكنيته أبو محمد، نزيل دمياط.
قال:[أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس].
وفي الطريق الأول قال ابن وهب: عن يونس، وفي الطريق الثاني قال: أخبرني يونس.
عن ابن شهاب، وهو الإمام الكبير المعروف محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن زهرة، مشهور بـ الزهري أو ابن شهاب.
قال:[عن سالم بن عبد الله عن أبيه]، وسالم سيد من سادات التابعين وفقيه من فقهاء المدينة، وهو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فهو يروي هنا عن أبيه عن جده، وما أسعد الرجل وهو يقول: عن أبي عن جدي، يعني: السلالة كلها سلالة علم ورواية، وهذا مثل عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد عن أبيه عن جده، وهذه سلسلة مصرية؛ لأن الليث بن سعد إمام مصر كلها، وهو فخر المصريين في زمانه، وكان سيداً من سادات العلماء، وهو شيخ الإمام الشافعي، وأحمد من باب أولى، فروى ولده شعيب عنه، وروى عبد الملك ولد عن أبيه، فـ عبد الملك يروي عن أبيه شعيب عن جده الليث بن سعد، وهذا شيء يفرح جداً، ولو أننا نظرنا إلى هذه النكتة فإنه ينبغي أن يحافظ كل منا على تربية ولده، خاصة في هذه الأيام التي اختلط فيها الحابل بالنابل، وانتشر فيها الشر حتى كان كالأصل في البلاد والعباد، والذي ينجي ولده من هذه النار المؤججة في هذه البلاد وغيرها وفي هذا الزمان عموماً فكأنه أخرجه من بين فكي أسد.