للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث ابن عباس في المواقيت]

وقد جاء في ثلاثة أحاديث: حديث ابن عباس وهو أتمها وأكملها، وحديث ابن عمر وفيه بعض النقص، وحديث جابر على الشك الذي ذكرته آنفاً.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن يحيى وخلف بن هشام وأبو الربيع وقتيبة جميعاً عن حماد - يعني ابن زيد - عن عمرو بن دينار عن طاوس - وهو ابن كيسان اليماني - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة) يعني: جعل ميقات أهل المدينة ذا الحليفة.

قال: [(ولأهل الشام الجحفة)].

والإمام الدارقطني يقول: إن حديث جابر ضعيف.

وهذه مجازفة من الدارقطني في كتاب العلل، قال: لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يحدد ميقاتاً لأهل العراق؛ لأن أهل العراق لم يدخلوا في الإسلام في زمان النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما دخلوا في زمان عمر بن الخطاب.

ونقول: وأيضاً أهل الشام لم يدخلوا في الإسلام في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، والذي حدد ميقات أهل الشام النبي عليه الصلاة والسلام، فلا يصلح هذا الاعتراض قط.

فلا يصلح هذا النقد لرد الحديث، وإنما يكفي في إنزال الحديث من الرفع إلى الوقف؛ لشك أبي الزبير.

قال: [(وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة -وتسمى اليوم رابغ- ولأهل نجد قرن المنازل -وتسمى اليوم السيل- ولأهل اليمن يلملم.

قال: فهن لهن -أي: لهذه القرى- ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)].

فميقات أهل الشام لمن مر به براً أو بحراً أو جواً أو بمحاذاته، فالطائرة القادمة من مصر إلى جدة تمر بمحاذاة رابغ، وكذلك الذي يأتي من المغرب أو من سوريا أو لبنان أو غيرها إنما يمر مروراً محاذياً للميقات، ولو تعمد أن يمر من فوق رابغ لكان له ذلك، وهو أفضل بلا شك.

فالإحرام يكون من الميقات أو من مكان يحاذي ويوازي الميقات.

قوله: (فهن لهن ولمن أتى عليهن)، أي: ولمن أتى من هذه المواقيت من غير أهل هذه البلاد، والذي يمر بميقات ليس هو ميقاته فله أن يتخذه ميقاتاً له، بل لا يجوز له أن يتجاوزه وهو ينوي أداء النسك إلا بالإحرام منه، فهو كميقاته.

قال: [(هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة)]، فلو مر على الميقات وهو لا يريد أن يحج أو يعتمر ولا ينوي النسك يأثم بتجاوزه الميقات بغير إحرام على مذهب جماهير العلماء، وبعض أهل العلم قال: لا يجوز دخول مكة إلا محرماً، والراجح عدم الإثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة بغير إحرام، وهذا يدل على جواز دخول مكة بغير إحرام.

فمن عقد النية على أداء النسك لا يجوز له أن يتجاوز الميقات دون إحرام، فإن تجاوزه دون إحرام فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن عليه دماً، ومنهم من أوجب عليه أن يرجع إلى ميقاته فيحرم منه، ثم يدخل بعد ذلك مكة.

وهذا بلا خلاف بينهم.

واختلفوا في زيارة المدينة أولاً، والذي أخلص إليه: أن من أحرم من ميقات أهل المدينة أن ذلك جائز مع الكراهة، ويصح حجه وعمرته مع مخالفته للأولى، والأولى أنه لا يمر من ميقاته إلا بإحرام؛ لقوله: (هن لهن)، أي: هذه المواقيت لأهلها، فينبغي أداء النسك أولاً قبل الزيارة.

قال: [(هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمن أهله، وكذا فكذلك، حتى أهل مكة يهلون منها).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن آدم حدثنا وهيب حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم.

وقال: هن لهم -أي: لأهل هذه البلاد- ولكل آت أتى عليهن من غيرهن -أي: ولمن مر بهذه البلاد وهذه المواقيت- ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ -يعني: من حيث أراد النسك يحرم من مكانه- حتى أهل مكة من مكة)].