[القبول]
الشرط الثالث من شروط قول لا إله إلا الله محمد رسول الله: القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه، وموافقة القلب للسان، يعني: أن يتوافق لسانك وقلبك سوياً على النطق بهذه الكلمة وعلى قبولها ومعرفة معناها واليقين بمدلولها، وقد قص الله عز وجل علينا من أنباء ما قد سبق من إنجاء من قبلها، وانتقامه ممن ردها وأباها، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الزخرف:٢٣ - ٢٥].
وقال الله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس:١٠٣]، يعني: من قبل هذه الكلمة سماه الله مؤمناً، ومن ردها فهو إما كافر وإما منافق، ومعلوم ما وقع بالكافرين والمنافقين ممن رد هذه الكلمة، وكذلك معلوم جزاء المؤمنين عند الله عز وجل في الدنيا والآخرة لقبولهم لهذه الكلمة والعمل بمقتضاها.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:٤٧].
وكذلك أخبرنا بما أعده لمن ردها من العذاب فقال تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:٢٢ - ٢٤] إلى قوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:٣٥]، أي: يستكبرون عن قبولها ويردونها، {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات:٣٦]، وهذا كأنه سؤال تعجب من هؤلاء الجهلة السفلة، وقد علموا أنه ليس بشاعر ولا مجنون.
فجعل الله تعالى علة تعذيبهم وسببه هو استكبارهم عن قول لا إله إلا الله، وتكذيبهم من جاء بها، فلم ينفوا ما نفته، ولم يثبتوا ما أثبتته، بل إنهم قالوا إنكاراً واستكباراً: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} [ص:٥ - ٦].
وسبحان الله! {أَتَوَاصَوْا بِهِ} [الذاريات:٥٣].
والله عز وجل في هذه الآية يصور المعركة بين أهل الإيمان وأهل الكفر والنكران، فقال تعالى: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}.
وهذا قول أهل الكفر والجحود والنكران في ميدان عام التقى فيه أهل الإيمان وأهل الكفر، فقال أهل الكفر: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} [ص:٥ - ٦]، أي: امشوا من أمام أهل الإيمان والعلم والحجة والبيان خشية أن تصابوا بما أصيبوا به، وانصرفوا من أمامهم حتى لا يصيبكم ما أصابهم، {وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} [ص:٦] أي: وتمسكوا بآلهتكم، {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص:٦]، أي: يراد بكم، {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ} [ص:٧]، أي: ابتداع ابتدعوه من عند أنفسهم واصطنعوه، تعالى الله عز وجل عن قولهم علواً كبيراً.
وقالوا هنا: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات:٣٦].
فكذبهم الله عز وجل ورد عليهم ما اتهموا به رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات:٣٧]، أي: بل جاء النبي عليه الصلاة والسلام بالحق من عند الله عز وجل، ((وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ))، أي: ووافقت دعوته دعوة المرسلين من قبله، فلم يكن هذا اختلاقاً ولا ابتداعاً ولا اصطناعاً، وإنما هو موافق لأهل التوحيد من الأنبياء والمرسلين قبله، فلم يكن بدعاً من الرسل صلى الله عليه وسلم، فدعوته هي دعوة لتوحيد الله عز وجل، وتوحيد الطريق الموصل إلى الله عز وجل، كدعوة غيره من الأنبياء كذلك.
ثم قال في شأن من قبلها وأثنى عليهم الله عز وجل: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات:٤٠]، أي: الذين عبدوا الله تعالى بإخلاص، {أُوْل