فقال الباغندي: سمعت أبا نعيم، وقال له رجل من الواسطيين: يا أبا نعيم! ما الاسم؟ فتهكم عليه أبو نعيم وقال له: إذا أتيت أمك فأقرئها مني السلام كثيراً، وأنا يا بني! واثلة بن الأسقع.
وواثلة بن الأسقع صحابي، فهو يتهكم عليه من وجهين، وقد كان أبو نعيم مشهوراً بالفكاهة والطرفة.
وكانت له حوادث مع المحدثين يطول ذكرها يثبت فيها أنه كان صاحب فكاهة، ومنها أنه كان يحب أن يجلس في مكان مرتفع، ولما قفل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأحمد بن منصور الرمادي من صنعاء من عند عبد الرزاق الصنعاني مروا على الفضل بن دكين، وكان يحيى بن معين فيه اختبار وامتحان للرواة؛ خشية أن يكونوا قد اختلطوا وتأثروا بعوارض الزمان، فقال يحيى بن معين لـ أحمد: تعال نختبر الفضل بن دكين أبو نعيم، قال له: هو ثبت ثقة، قال: لابد لي من ذلك، فلما لم يجد أحمد بد مشى معه، وكان الإمام أحمد مؤدباً بشدة عليه رحمة الله، وقد ترجم له ابن الجوزي في مجلد كبير جداً، وله ترجمة عظيمة جداً في سير أعلام النبلاء والتاريخ الكبير.
فعمد يحيى بن معين إلى ثلاثين حديثاً من أحاديث أبي نعيم الفضل بن دكين وخالف في أسانيدهم من الأول إلى التاسع وأقام العاشر صحيحاً، ثم من الحادي عشر إلى التاسع عشر وأقام العشرين، وكذا فعل في رقم ثلاثين، وأعطى الورقة لـ أحمد بن منصور الرمادي، من أجل أن يكون بعيداً عن التهمة، ولكن هذا لم يخف على أبي نعيم، فلما جلس الثلاثة أمامه قرأ عليه الورقة، فقرأ الأول والثاني وعينا الفضل بن دكين شاخصة بشدة وقال: ليس هذا من حديثي فلما قرأ العاشر قال: أثبت هذا فإنه من حديثي، وكذا فعل في العشرين والثلاثين، ثم نظر إلى أحمد! وقال: أما أنت يا أحمد! فآدب من أن تفعل ذلك، أي: أدبك يمنعك، وأما أنت يا أحمد بن منصور! فأقل من ذلك -أي: لا تستطيع أن تعمل هذا- وأما أنت فأنت هو يا يحيى بن معين! ورفسه رفسة انقلب منها ثلاث مرات ولو أن شيخاً رفس أحدنا الآن وقال له: لماذا لم تحضر الدرس لقال: إن جئت فلنفسي وإن لم آت فلنفسي أيضاً.
فقام يحيى بن معين وقبله بين عينيه، وقال: والله لهذه الرفسة أحب إلي من سفرتي.
يقول زكريا بن يحيى المدائني: قال رجل لـ أبي نعيم الفضل بن دكين: يا أبا نعيم! أشتهي أن أكتب اسمك من فيك، فقال: واثلة بن الأسقع، قال علي بن القاسم: فحدثني شيخ من أصحابنا قال: رأيت شيخاً خراسانياً بمكة يحدث يقول: أخبرنا واثلة بن الأسقع، وبينه وبين واثلة بن الأسقع أربع طبقات، يقول الراوي لما سمع هذا: فعلمت أن مزاح الفضل بن دكين دخل على هذا الرجل ولم ينتبه له.