[مذهب أهل السنة في الأسماء والصفات في التفويض]
والكلام ثابت لله عز وجل، والله تبارك وتعالى يتكلم بحرف وصوت كلاماً يليق بجلاله وكماله، والكلام الثابت لله عز وجل يعتقد فيه ما يعتقد في أي صفة من صفات الله تعالى، سواءً صفات الذات أو صفات الأفعال، فنؤمن بها ولا نتعرض للخوض في كيفيتها؛ لأننا إذا جهلنا كيفية الذات فمن باب أولى أن نجهل كيفية الصفات، وعلينا أن نؤمن أن الله تعالى وصف نفسه بأوصاف وسمى نفسه بأسماء، ولا نفوض معانيها، وإنما نفوض الكيفية، فمثلاً: لا نفوض معنى صفة العلم، وعلينا الإيمان يقينياً بأن الله تعالى ذو رحمة واسعة، وأنها وسعت كل شيء، ولكن لا يستطيع أحد أن يكيف رحمة الله، ولا أن يصف رحمة الله؛ لأن رحمة الله تعالى فوق كل إدراك للخلق.
وكذلك صفة الاستواء كما في قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥].
فالاستواء صفة لله عز وجل لا يحل لأحد أن يجحدها، ولكن القضية التي زلت فيها الأقدام اختلاف أهل البدع مع أهل السنة والجماعة في معنى الاستواء، فأهل البدع يقولون: الاستواء بمعنى الاستيلاء، وهذا تنقص لجلال الله عز وجل من حيث أرادوا تنزيهه؛ لأن الاستيلاء يستلزم المدافعة، فمعنى قولنا: فلان استولى على الشيء الفلاني بمعنى أنه استلبه وأخذه ممن كان في يده سابقاً.
والعرش لم يكن لأحد قبل أن يستولي عليه الله عز وجل، ولم يكن هناك منازعة كتبت الغلبة لله عز وجل فيها، ولو نظرنا في لسان العرب -أي: في كلام العرب ولهجاتهم ولغاتهم- لما وجدنا أن الاستواء بمعنى الاستيلاء، وإنما هو بمعنى العلو والارتفاع، فيكون تقدير الآية: الرحمن على العرش علا وارتفع، وهذا الكلام فضلاً عن تأييده للأدلة الشرعية فإن العقول السليمة والفطر النقية تقبله، وهو صفة من صفات الله عز وجل.
بخلاف الأشاعرة والمعتزلة الذين قالوا بغير هذا القول، فقد قالوا: فوق العرش ملائكة كروبيون، ولا ندري إلى الآن ما معنى (كروبيون)، وفوق الملائكة (الكروبيون) الله عز وجل، وهو ينزل إلى السماء الدنيا، بل ينزل إلى الأرض، بل يدخل في جميع الأمكنة بذاته، هكذا يقولون، وهذا الكلام مخالف لعقيدة المسلمين.
وأما أهل السنة فيعتقدون أن الله تعالى مستو على العرش بذاته، وأنه تبارك وتعالى ينزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وكماله إذا انقضى ثلث الليل الآخر أو ثلثاه، وأن هذا لا يتنافى مع علوه واستوائه سبحانه وتعالى.
والبعض يقول: أنا لا أفهم كيف يكون الله عز وجل في السماء مستو على عرشه وهو في نفس التوقيت في الأرض، أو في السماء الدنيا، وهذه الشبهة إنما دخلت عليه لأنه قاس نزول الله تعالى بنزول الإنسان، ولا يجوز أن يتوهم المسلم أن صفات الله عز وجل كصفات أحد من خلقه، ولو انتفى عنا هذا التوهم، وأثبتنا لله تعالى ما أثبته لنفسه على المعنى اللائق به سبحانه لسلمت لنا كل صفة، وكل اسم من أسمائه سبحانه وتعالى.
وكذلك الكلام الذي بين دفتي المصحف، فلا يجوز لأحد أن يقسم أو أن يحلف يميناً على كتاب الله على أنه مجرد كتاب، بل يقسم يميناً على كتاب الله أو على المصحف على أنه كلام الله عز وجل، وأنه صفة من صفاته سبحانه وتعالى.
وما في المصحف كلام الله عز وجل تكلمه بحرف وصوت، وأن الله تعالى لا يزال متكلماً، ولا يفنى كلامه ولا يبيد، فهو يتكلم حيث شاء ومتى شاء بما شاء، وكلامه لا ينتهي سبحانه وتعالى، فهذا الذي بين أيدينا من كلام الله عز وجل، أنزله رب العزة تبارك وتعالى ليصلح العباد والمعاد إلى قيام الساعة.
ويجوز للإنسان أن يحلف بالمصحف أو على المصحف؛ لأنه صفة من صفات الله عز وجل، وهو كلامه الذي تكلم به بحرف وصوت.
والإمام مسلم لم يضع تبويبات لأحاديثه التي أودعها في الصحيح، فلم يبوب كتاب الأيمان، ولا باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، خلاف الإمام البخاري، فإنه هو الذي صنف الأبواب والكتب ووضع تراجم الأبواب في صحيحه، وأما صحيح مسلم فقد وضع أبوابه وكتبه كل من تعرض لشرحه، ولذلك تجد تبويبات الإمام النووي بخلاف تبويبات السيوطي، وبخلاف تبويبات السخاوي، وبخلاف تبويبات غيرهم، وقد شرح صحيح مسلم أكثر من مائة شارح، ولكل واحد منهم تبويبات تخصه باجتهاده، بخلاف الإمام البخاري فإنه هو الذي وضع تبويبات كتابه.
والإمام مسلم إنما سرد الأحاديث سرداً وراء بعضها، وقد قال في أول حديث حدثني فلان، ثم في الثاني والثالث: وحدثني فلان وحدثني فلان، وهكذا، ولذلك كان الأصل في أول هذا الكتاب وأول حديث في الباب أن يقول مسلم: حدثني فلان، لا وحدثني فلان؛ لأنه أول حديث في الكتاب وفي الباب، ولكن الإمام مسلماً زاد حرف الواو في قوله: وحدثني؛ لأنه معطوف على ما قبله، باعتبار أنه سرد الأحاديث كلها سرداً على نسق واحد، ولم يقسم هذا كتاب كذا، وهذا باب كذا، وإنما هذا التقسيم من صنع من شرح صحيحه.