[ثناء العلماء على وكيع وتوثيقهم له]
قال أحمد: ما رأيت رجلاً قط مثل وكيع في العلم والحفظ والإسناد والأبواب مع خشوع وورع، وكان يذاكر في الفقه فيحسن، ولا يتكلم في أحد، يعني: إذا ذاكر في الفقه كان فقيهاً يحسن أن يتكلم في الفقه، ولكنه كان لا يتكلم في أحد.
وعن أحمد قال: كان وكيع إمام المسلمين في وقته.
وعنه قال: عليكم بمصنفات وكيع.
وأعظم ما كتب كتاب الزهد، وهذا الكتاب يعتبر أصلاً في هذا الباب، فهو أصل لمن كتب في الزهد والورع ممن أتى بعده.
وقال ابن معين: الثبت بالعراق وكيع.
ويحيى بن معين من المتشددين جداً في أمر الرجال، وإذا وثق المتشدد راوياً فعض عليه بالنواجذ، وإذا جرح فانظر هل وافقه أحد أو انفرد به؛ وهل هو عنده حجة أو ليس بحجة؟ فـ يحيى بن معين على تشدده وتعنته في التوثيق يقول: الثبت بالعراق وكيع، وكأنه يقول: ليس هناك من هو أثبت ولا أوثق في العراق من وكيع.
وقال ابن معين أيضاً: ما رأيت أفضل من وكيع، قيل له: فـ ابن المبارك؟ يعني: ما رأيك في ابن المبارك؟ قال: قد كان له فضل، ولكن ما رأيت أفضل من وكيع، كان يستقبل القبلة ويحفظ حديثه ويقوم الليل ويسرد الصوم سرداً ويفتي بقول أبي حنيفة، ووالله ما رأيت أحداً يحدث لله تعالى غير وكيع، يعني: ما رأيت أحداً يحدث بإخلاص لله تعالى دون أن يصبو إلى غرض من أغراض الدنيا، وما رأيت أحفظ منه، ووكيع في زمانه كـ الأوزاعي في زمانه.
وعن ابن معين قال: ما رأيت رجلاً يحدث لله تعالى إلا وكيعاً والقعنبي.
وعن ابن معين قال: ما رأيت أحفظ من وكيع، قيل له: ولا هشيم؟ قال: وأين يقع؟ أي: وأين يقع هشيم من وكيع، يعني: إذا قرن به فلا يساوي شيئاً.
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين -وهو إمام جليل-: مادام هذا التنين حياً فلن يفلح أحد، أي: مادام وكيع حياً يرزق ويدرس وله حلقة فلن يفلح أحد من المحدثين.
ولم ينصب وكيع حلقة للعلم إلا وأثرت على باقي حلقات أهل زمانه.
وقال أحمد بن سيار عن صالح بن سفيان: قدم وكيع مكة فانجفل الناس إليه، أي: أتوا أفواجاً ودفعات، وحج تلك السنة غير واحد من العلماء، وكان ممن قدم عبد الرزاق الصنعاني، فقد أتى من اليمن ليحج، فلما وصل إلى الكعبة لم يجد أحداً سأل عنه، ولم يلتف حوله أحد من طلبة العلم، فأثر ذلك في نفسه، فلما رجع إلى بيته وحدث بأن وكيعاً في الحرم قال: هذا هو، أي: هذا الذي منع عني الطلاب والتلاميذ.
قال: فخرج عبد الرزاق ونظر إلى مجلسه فلم ير أحداً فاغتم، ثم خرج فلقي رجلاً فقال: ما للناس؟ قال: قدم وكيع، قال: فحمد الله تعالى، وقال: ظننت أن الناس تركوا حديثي، أي: أنه ظن أن الناس لهم موقف من حديثه، ولكنهم لما قارنوه بـ وكيع قدموا وكيعاً، فعرف عبد الرزاق بيت القصيد، وأن الذي صرف الناس عنه إنما هو مجلس وكيع.
قال: وأما أبو أسامة فخرج فلم ير أحداً، فقال: أين الناس؟ فقالوا: قدم أبو سفيان، فقال: هذا التنين لا يقع في مكان إلا أحرق ما حوله، يعني: إذا نزل وكيع في مكان كان كالنار التي تحرق ما حولها.
وقال أبو هشام الرفاعي: دخلت المسجد الحرام فإذا عبيد الله بن موسى يحدث والناس حوله كثير، قال: فطفت أسبوعاً، ثم جئت فإذا عبيد الله قاعد وحده، فقلت: ما هذا؟ قالوا: قدم التنين فأخذهم، أي: وكيع بن الجراح.
وقال علي بن خشرم: رأيت وكيعاً وما رأيت بيده كتاباً قط، إنما هو يحفظ، فسألته عن دواء الحفظ، فقال: ترك المعاصي، ما جربت مثله للحفظ.
وقال هارون الحمال: ما رأيت أخشع من وكيع.
وقال سعيد بن منصور: قدم وكيع مكة فقال له فضيل: ما هذا السمن؟ -يعني: ما لك ضخم يا وكيع! - وأنت راهب العراق؟ ومعلوم أن الراهب قليل الطعام، أي: أن هذا لا يستقيم مع ضخامة حجم وكيع، فقال له وكيع: هذا من فرحي بالإسلام.
فليس كل سمن دال على أن صاحبه أكول، بل منه ما هو بسبب الأكل ومنه ما هو بسبب السرور، ومنهم من إذا غضب أو مرض نقص وزنه، فليس لازماً أن كل من سمن أن ذلك مصدره كثرة الطعام.
وقال