[قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في اليهودي واليهودية اللذين زنيا]
قال: [أن عبد الله بن عمر أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بيهودي ويهودية قد زنيا، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء يهود فقال: ما تجدون في التوراة على من زنى؟)] لم يذهب النبي عليه الصلاة والسلام ليستخبرهم ولا ليقضي بين هذين بشريعة اليهود، وإنما ليثبت أن شريعة موسى التي لم تحرف موافقة لشريعته.
قال: [(قالوا: نسود وجوهمما ونحملهما)] يعني: نلطخ وجوه الزناة بالسواد ونحملهما على الجمل.
وفي رواية: (ونجملهما) ومعنى نجملهما: نجعلهما على الجمل.
قال: [(ونخالف بين وجوههما)] أي: نجعل ظهر الرجل على دبر الجمل أو الحمار، والمرأة ظهرها إلى قبالة الجمل أو الحمار، بحيث يصير الزاني والزانية كلاهما يركبان دابة واحدة، وكل واحد ينظر للثاني، ويطوفون بهما المدينة، ويفضحونهما بين الناس.
فقالوا: يا محمد نفعل هذا بالزناة، وهذا الذي نجده في توراة موسى التي نزلت عليه.
قال: [(قالوا: ويطاف بهما.
قال: فأتوا بالتوراة إن كنتم صادقين)] إذا كنتم صادقين في حكمكم هذا وأنكم تجدون حد الرجم على من زنى عندكم أنكم تلطخونه بالسواد، وتخالفون بين وجوههم على الدابة وتطوفون بهم وتفضحونهم فقط؛ فهاتوا التوراة نقرؤها إن كنتم صادقين.
قال: [(فجاءوا بها فقرؤوها، حتى إذا مروا بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم، وقرأ ما بين يديها وما وراءها)].
يعني: التي قدامها والتي وراءها ولم يقرأ الآية نفسها.
قال: [(فقال له عبد الله بن سلام وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره فليرفع يده.
فرفعها فإذا تحتها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما)].
قوله: (فرجما) يدل على أنهما كانا محصنين.
[(قال عبد الله بن عمر: كنت فيمن رجمهما.
فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه)].
فانظر إلى العشق ما يفعل بأصحابه، فهما في الحفرة يذوقان الموت، ومع هذا يدافع عن عشيقته ومحبوبته حتى في لحظة الموت! قال: [وقال ابن وهب: (أخبرني رجال من أهل العلم منهم مالك بن أنس)].
وهذا الحديث ليس فيه جهالة؛ لأنه قال: أخبرني رجال من أهل العلم منهم مالك بن أنس، كما لو قال: أخبرني مالك بن أنس، فلو قال ابن وهب: أخبرني رجال من أهل العلم عن فلان فإنه يصير في الحديث جهالة؛ وبالتالي يصير ضعيفاً؛ وذلك لأن هذا المجهول لا نعلم عينه وبالتالي لا نعلم حاله، فإذا جهلنا عين الراوي جهلنا ما إذا كان ثقة أو غير ثقة، عدلاً أو غير عدل، ضابطاً أو غير ضابط، وإذا قال الراوي: حدثني الثقة عن فلان، اختلف أهل العلم في مثل هذا، فبعضهم قال: يصحح الحديث على مسئولية هذا الراوي الذي وثق شيخه وإن أخفى علينا عينه، لكن الراجح وهو مذهب جماهير المحدثين: أن قول الراوي: حدثني الثقة إسناد ضعيف؛ للجهالة؛ لأنه إذا كان عنده ثقة فلم لم يسمه؟ وربما يكون ثقة عنده، ولكنه ضعيف عند غيره وعند التحقيق والتدقيق؛ ولذلك لا بد من التصريح بعين الراوي حتى نعلم حاله.
فقول ابن وهب هنا: أخبرني رجال من أهل العلم.
لو اكتفى بهذا لقلنا: هذا الإسناد ضعيف.
لكنه قال: [منهم مالك]، ومالك ثقة، ويصح به الإسناد وحده، فما بالك وقد حدث ابن وهب أناس آخرون من أهل العلم متابعون لـ مالك بن أنس؟ قال: [أن نافعاً أخبرهم عن ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم في الزنا يهوديين: رجلاً وامرأة زنيا، فأتت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما) وساقوا الحديث بنحوه] أي: بمثل الحديث الأول.
فإن قيل: كيف رجم اليهوديان بالبينة أم بالإقرار؟ قلنا: ربما كان ذلك بالبينة أو بالإقرار، ولا حرج أن يقام الحد بالبينة أو الإقرار.