[استفادة مسلم من البخاري واعترافه بأنه ليس له نظير في الحديث]
وينبغي تقديم مسلم على البخاري بما ذكرناه من مميزات ميّزت مسلماً عن البخاري، وأما غير ذلك فيرده الواقع والمشاهد، فإن الإمام البخاري لا شك أن صحيحه مقدم على صحيح تلميذه وخريجه الإمام مسلم وذلك من عدة وجوه: صح أن مسلماً كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في الحديث، حتى ثبت عنه أنه قال: دعني أقبّل قدميك يا طبيب الحديث! وانظروا إلى هذا الأدب الجم من مسلم للبخاري، ومسلم حينما قال هذا القول كان إماماً، إذ لم يقل هذا القول وهو تلميذ، أو هو يقرأ كتاباً كفقه السنة ثم صار شيخاً، ولكنه قال ذلك في حال كونه إماماً مبجلاً عظيماً قدّمه في ذلك الوقت إسحاق بن راهويه وابن منصور الكوسج وأبو زرعة قدموه ورفعوه، وفي هذا الوقت ثبت أنه قال للبخاري: دعني أُقبّل قدميك، لم يقل له: يديك ولا رأسك، وإنما قال: قدميك يا طبيب الحديث! ومعلوم أن الطبيب إنما يداوي العلل، فقوله: يا طبيب الحديث! أي: يا من ينقّب عن الأحاديث وعن عللها، فيميّز منها الصحيح من السقيم.
والإمام الدارقطني يقول: لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء.
وحين سُئل بعض أهل العلم عن صحيح الإمام مسلم قال: وما ذاك؟ إنما أخذ مسلم كتاب البخاري فعمل عليه مستخرجه، أي: عمد إلى كتاب البخاري فأتى بأحاديثه من غير طريق البخاري كما قلنا في بيان المستخرج، فهذا لا شك أنه مرجّح لصحيح البخاري على صحيح مسلم، والبخاري أجل من مسلم وأعلم في صناعة الحديث منه، وقد انتخب علمه ولخّص ما ارتضاه وهذّبه في (١٦) عاماً، ومسلم صنّف صحيحه في (١٥) عاماً.